رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كاميرون وجه انتقادات سلبية للمجتمع المسلم المعارض للذوبان في القيم والحضارة والثقافة الغربية. ونشر الموقع الإلكتروني لجريدة "الجارديان" مقالاً بقلم "سيوز ميلين" عرض فيه نماذج لما يعاني منه المسلمون في بريطانيا من مواقف عنصرية تتنوع في درجاتها وتختلف في مصادرها وباعثها، تتجاوز التحقير والإهانات إلى الاعتداءات الجسدية.. ورصد الكاتب الوقائع والأحداث والاعتداءات التي تعرضت لها منشآت تعود إلى المجتمع المسلم البريطاني في أكثر من مدينة، وصل بعضها إلى "انتهاك حرمة مقابر المسلمين".. وقال إن المنظمات اليمينية المتطرفة في أوروبا حولت كراهيتها من اليهود والمهاجرين في عمومهم إلى المسلمين بصفة خاصة.. وانتقد مواقف كاميرون تجاه ما يتعرض له مسلمو بلاده إذ لا يستنكر الاستفزازات العنصرية التي تشنها الجهات المحرضة ضد المسلمين.. وأنه يظلم الحقيقة والإنصاف حين يقارن بين الإسلاميين الذين لا يتبنون العنف وبين اليمينيين الفاشيين. وقال إن خطاب كاميرون حظي بترحيب اليمين المتطرف حين رأى فيه رئيس الحزب القومي البريطاني نيك جريفن "وثيقة كبيرة لأفكارنا في الخطاب السياسي العام". وكانت أمين حزب المحافظين البريطاني السيدة "وارسي" قد صرحت بأن "الإسلاموفوبيا قد تخطى عتبة الطبقة". وقبل أشهر تلقى النرويجيون صدمة على يد أحد أبنائهم الأصليين الموصوف بأنه "مسيحي ملتزم" حين ارتكب مجزرة وصفها سياسيو بلاده بأنها "رهيبة"، وقالت المستشارة الألمانية حينها "إن عدونا المشترك هو الكراهية"، وطالبت وسائل الإعلام الأوروبي بالتعاون للوقوف في وجه الإرهاب الذي هو ثمرة طبيعية لمشاعر الكره والبغض.

والكراهية حالة نفسية تصيب الإنسان بالعمى الشعوري بحيث يستوي عنده البريء بالمذنب، وتختلط عنده المعايير فلا يعرف الفروق ما بين من تسبب في أذى الآخرين ومن لم يهدد أمن وسلامة أحد. والمسلمون وقعوا ضحية ظلم الإعلام العالمي طيلة السنوات الماضية حين صورهم في أبشع الصفات وربطهم – دون وجه حق – بالإرهاب حتى باتوا "مشتبهين" تطاردهم نظرات الغضب والتحقير, والإزدراء والتخويف. وأصبحوا أول من تشير إليه أصابع الاتهام، قبل التثبت من أي شيء، في أي حادثة إجرامية، حتى إذا اتضحت الحقيقة وتبين أن فاعلها الحقيقي ليس مسلماً نجد الإعلام "المهني والموضوعي"! يلتزم الصمت ويتجاهل القضية ولا يكلف نفسه أن يعلن براءة من اتهمهم.. وهكذا باتت تهمة الإرهاب وكراهية الآخرين تلاحق المسلمين، في الكثير من البلدان والمجتمعات، تؤذي مشاعرهم، وتشوه صورتهم وتزرع الشك في نفوس الناس ضد دينهم وثقافتهم. وفي السنوات العشرين الأخيرة وقعت عشرات الحوادث والأعمال الإجرامية والإرهابية، في أكثر من بلد وعلى امتدادات قارات العالم، على أيدي مجموعات وعصابات وأفراد من غير المسلمين، لكن لم تكن تنسب إلى دينهم أو انتمائهم العرقي – وهذا حق نؤيده ونسانده – إذ ليس من العدل ولا الإنصاف أن يتهم دين أو جنس أو عرق بالإرهاب أو الإجرام لأن أحد أفراده ارتكب شذوذاً في السلوك. وحادثة النرويج التي وقعت قبل عدة أشهر وراح ضحيتها العشرات من الأبرياء على يد أحد أبناء البلد الأصليين وهي واضحة المعالم بعد أن تكشفت أسبابها ودوافعها وليست مبرراً أو سبباً يجعلنا نظلم هذا الشعب المتحضر الذي ناصر المظلومين وآوى الكثير من الهاربين من الحروب والظلم.. ليس من العدل أن يتهم النرويجيون بأنهم ضد المهاجرين الذين يعيشون بينهم.. وهذا ينطبق على ما يحدث من جرائم وعمليات تهدد أمن بعض المجتمعات على أيدي متطرفين فلا يتردد بعض الإعلام في نسبتها إلى المسلمين أو الإسلام.

وحديث "الكراهية" الذي يتردد في الأزمات على لسان السياسيين لمجاراة بعض الأصوات الشعبية ليس حديثاً عاقلاً ولا منصفاً ولا يتسق مع رغبة وخطاب التعايش الحضاري الذي توجبه ثقافة "العولمة" حيث تتداخل ثقافات الشعوب وتفتح الحدود أمام تحرك الإنسان، وتشتبك سماوات التواصل التقني فتلتقي الأفكار والعادات والمعتقدات والقناعات على موجات البث المباشر والشبكة العنكبوتية بكل وسائلها.. والمسلمون في أوروبا أصبحو جزءاً أساسياً في نسيج المجتمع وعنصراً واقعياً في الثقافة العامة و"اقتلاعهم" لم يعد ممكناً وليس أمام العقلاء والساسة إلا تقليل نظرة العداء لهم.. وفتح الأبواب أمام أجيالهم لمزيد من الانسجام والانصهار داخل البيئة الثقافية.. وهذا لا يتم بتصويرهم حاضنة للكراهية وممثلاً للتطرف، فالكراهية حالة نفسية ليس لها دين واتهام المسلمين بها ظلم.