اشتعلت النار في الرداء التونسي ثم علقت بالجلابية المصرية وأتت على القفطان الليبي ثم مرت بالإزار اليمني وما زالت تشتعل بالشروال السوري، فظهر العالم العربي وكأنه ينحو باتجاه تغيير ملابسه والتخلص من كثير من أرديته التي ضاقت عليه ولم تعد تناسب أو تتماشى مع هذا العصر.

ها هو العالم العربي يخلع ملابسه ويستبدلها بغيرها، تونس ثم مصر فليبيا ثم اليمن، وإليك كل المؤشرات المنطقية والمناطقية وهي تشير إلى تغلغل الثورة السورية من حيث حجم انتشارها في المدن ومن حيث ارتفاع التصعيد وصولاً إلى معركة كسر العظم بين الحكومة والمعارضة أو على نحو أدق معركة الشعب في مواجهة المتسلطين عليه من القابضين على زمام الأمور لأكثر من أربعين عاماً مضت، حيث ساموا أهل سورية سياط التكتيم والترهيب وخنق الحريات.

ما إن انطلقت الشرارة من درعا حتى تهدم جدار الخوف وشاعت الثورة وبسطت نفوذها خطوة خطوة حتى غطت كل أرجاء الخريطة السورية، وتكاد الثورة في سورية تسلك نفس مسار الثورة في ليبيا، مع فارق أن الناتو كان داعماً لوجستياً لثوار ليبيا في حين صارت الانشقاقات التي تخرج من ربقة المؤسسة العسكرية في سورية وما نتج عنها من تشكل الجيش الحر هو ما يعزز من استمرار الثورة، وهو ما فتح نافذة عريضة لمزيد من انشقاقات العسكر التي ستحسم المعركة – قريباً – بنجاح الثورة وسيطرة الجيش وفرار قادته من الموالين للحكومة. وقد صار معلوماً أن النظام السوري يخسر الكثير مع إشراقة كل يوم من رصيده القليل أصلاً، وصار مناوئو النظام يزدادون يوماً بعد الآخر شعوباً وحكومات على مستوى العالم، وكان قرار دول مجلس التعاون الخليجي سحب سفرائها وطرد سفراء دمشق لديها ضربة موجعة ستتبعها ضربات توهن شكيمة هذا النظام الذي لم يبق له من مؤيدين إلا ثلة من "معتزلة" العالم في فنزويلا وروسيا وفرقة "حسب الله" في لبنان وملالي إيران، وسيتوالى انفراط سبحة المتحفظين على التغيير بعد حين، ابتداءً من الصين التي ستجد نفسها منحازة إلى حتمية التغيير وإيقاف آلة القتل وحتى الموقف الروسي القائم على النفعية والبراجماتية لن يستمر في هذا العناد لكنه يريد أن يستعيد دورا منحسرا لروسيا في القرار العالمي بعد أن يضمن أن بديل بشار لن يتخلى عن روسيا ويحرمها امتيازاتها في مياه البحر المتوسط، وعليه فإن روسيا ستتخلى تدريجياً عن تشددها ولن تصمد في مواجهة الموقف الدولي الموحد الذي صار يلومها لنفعيتها على حساب حياة وتحرر الشعب السوري، أما إيران فهي التي ستنافح في الذود والدفاع حتى آخر قطرة من دم السوريين وهي لا تلام في دفاعها المستميت عن حليفها لأن خسائرها بسقوط النظام ستكون كبيرة وجسيمة.

لكن الواضح والجاهر أن شمس النظام العسكري في سورية ستغرب قريباً جداً، وستغرب تباعاً في المنطقة كل الحكومات التي اعتلت كراسي الحكم فوق ظهور الدبابات وصارت تطعم شعوبها خبز الشعارات وجعجعة النضال الذي لا نراه واقعاً، ولكن نسمعه من أبواق الإذاعات.

فمنذ مجيء الضباط الأحرار في مصر قبل 60 عاماً والعالم العربي ينزلق في مهاوي الهزيمة والنكسة وما نتج عن ذلك من خداع وتزييف تبنى في أجندته قميص "القضية الفلسطينية"، وهي القضية التي يئدها حملة الشعارات الجوفاء كلما سعت دول الاعتدال إلى تسويتها، ثم يلي ذلك تردي التنمية في تلك الدول ذات الأنظمة العسكرية الشمولية، ولهذا فإن ما يحدث الآن في العالم العربي لهو بشارة خير ليتخلص من أنظمة يروج لها طقاقات الإعلام وأفاقوه ممن هم على شاكلة هيكل والصحاف وشلقم قبل أن ينقلب على القذافي وبثينة شعبان وغيرهم من بائعي الكلام في سوق النخاسة.

.. لكأن العالم العربي امرأة قد شاخت وتجعدت ملامحها ووهنت أطرافها وفقدت مهابتها وجاذبيتها فقامت وعزمت أن تغير من أمرها بما يعيد لها شيئاً من بريقها، وذهبت إلى صالون التجميل تتريض وتشد جلدها وتنفخ ضمور بعض ملامحها، وتغير ملابسها، وتكحل عينيها وتورد وجنتيها. وستخرج من الصالون – حتماً - وهي أشب وأنشط.. وأكمل وأجمل.. وأبهى وأشهى.