لا يمكن لأحد أن يحجر على الآخر إبداء رأيه بالطرق السليمة والسلمية كالكتابة أو التصريح بالرأي عبر مختلف وسائل الإعلام والاتصال، حول أي قضية تهم المجتمع وتتماس مع قيمه وثقافته، بشرط أن يكون صاحب الرأي ملما بالحقائق وصادقا مع الله أولا ثم مع نفسه والآخرين من تصل لهم رسالته ثانيا، فإبداء الرأي حق مشروع ومكفول إن لم يكن فيه تعد على حقوق الآخرين.

وفي هذا الإطار لا أرى غضاضة في انتقاد أي فعالية ثقافية وإبداء الرأي حولها وتقويم أي اعوجاج فيها. ولكن أن تتحول الفعاليات الثقافية إلى حقل تجارب للمتصارعين على الوهم وهواة تشطير وتقسيم المجتمع حسب الأهواء فهنا يكمن الخطر الذي يحتاج إلى معالجة سريعة وواضحة دون مجاملة لأحد. وما يحدث منذ سنوات من "غزوات" تحشد لها الحشود الكبيرة في بعض الأحيان، للانقضاض على فعاليات ثقافية تنظم تحت إطار رسمي وطني مفتوح للجميع، يوحي بأن الأمر لم يعد مجرد "احتساب". وإنما أصبح استعراضا للعضلات. فما حدث في مهرجان "الجنادرية" لهذا العام حلقة من سلسلة طويلة بدأت بمعارض الكتب ثم الأندية الأدبية ولن تنتهي هنا إن لم يكن هناك حزم أكبر وشفافية أعلى في التعامل معها أمنيا وإعلاميا. فالحق الذي لن يستطيع أحد إنكاره أن أي ملاحظة حقيقية تمس الدين أو القيم يتم التعامل معها من قبل الجهات الرسمية بسرعة عالية وقد شهد الجميع ذلك في معرض الكتاب العام المنصرم وما قبله من دورات، فلا أحد يرضى بأي تجاوز في هذا الشأن.

لكن أن يصل الأمر إلى الهجوم على فعالية أشبه بالسوق الثقافي والتراثي الوحيد في المملكة مثل "الجنادرية" التي يعرف الجميع أن القائمين عليها من أحرص الناس على أن تتوافق مع القيم الاجتماعية السائدة، ولذلك لم يحدث فيها ما يعكر الصفو أو يثير الجدل منذ انطلاقها، أن يصل الأمر لهذا الحد فإنه يدعو للتساؤل والاستغراب!

قضية أن يتبرأ الجميع من هؤلاء الشباب المتحمس بعد أن يرموا في الميدان لجس النبض، ثم تنتهي القضية ببيان هنا أو هناك لم تعد مجدية، بل إن هذا الأسلوب الذي اتبع في معارض الكتب السابقة، هو ما يشجع على مزيد من تلك "الغزوات" الفوضوية.