نشرت بعض المواقع الإلكترونية الكبيرة نبأ تأكيد توبة الشاب المجدّف في حقّ نبيّنا الأعظم -صلى الله عليه وسلم- أمام المحكمة التي مثل أمامها، وحمدت الله تعالى على ذلك، إذ عودة ضالٍّ لطريق الحق، أحبّ إلينا من استمرائه الضلال والخطأ، وكنت على يقين بأنها الفورة العمرية التي تجعل شاباً يبحث عن الشهرة ومصادمة المجتمع الذي ترعرع فيه بأسوأ وأحطّ طريقة، وإلاّ فمحمد -صلى الله عليه وسلم- في قلوبنا حقاً، ولا يكتمل إيمان مسلم إلا بحبّه، وأن يكون أقرب إلينا من أهلينا وأموالنا وأنفسنا.

كان رأيي طيلة الفترة الماضية بأن ما كتبه حمزة الكاشغري سخيف ومرفوض ولا نقبل به، وطالما أنّ القضية وصلت للقضاء، فلنتركها له، ولا يجب أن نتكلم في موضوعه -بشكل شخصي- أو نرميه بالردة والكفر حتى يفصل القضاء الشرعي فيه، ونوفر للشاب محاكمة عادلة، يفصل القضاء فيما قاله وأساء فيه الأدب مع مقام النبوة، وغيرتنا التي انبجست من حبّ كبير لسيّد ولد آدم صلى الله عليه وسلم؛ لا ينبغي لها أن تتجاوز الشرع المطهر وآدابه وتعاليمه، إذ لا أسوأ من الاستنكار على خطأ بارتكاب خطأ شرعي، وهو ما أودّ أن أقف عنده.

أعتب على أولئك الذابين عن نبينا الأعظم -صلوات الله عليه وآله- من الذين تلبّستهم الروح الجاهلية في غمرة دفاعهم عن سيّد البشر، فقاموا بلمز قومية الشاب والطعن فيه، بل وذهب بعضٌ ممن يحسبون على العلماء بشرعنة هذه العنصرية دينياً، والحقيقة أنني أسفت جدا لبعض هذه الفتاوى من بعض من يحسبون على العلماء، ويأخذ عنهم عوام وأتباع، لأن أمثال هذه الأقوال تؤدي إلى فتنة مجتمعية، بدأت بوادرها في قصيدة تروج الآن لشاعر شعبي يهجو كل "طرش البحر" بعقليته المغلقة التي أملت عليه، دونما مراعاة لمئات الآلاف بل بضعة ملايين من أبناء هذا الوطن الأصلاء، ممن ساهموا في بناء هذا الوطن، وانسلكوا فيه كمواطنين صالحين.

كم أتمنى على أولئك المشايخ وأولئك الطلبة الذين خاضوا في هذا الوحل العنصري، أن يتراجعوا إلى منهج الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي علّمنا –فداه أبي وأمي- كيف يكون التسامح، وكيف يكون الإنكار دون أن نلغ في أوحالٍ جاهلية، فهو والله في غنى عن نصرته بمثل هذا الطعن المتجاوز، الذي يرتدّ سلباً بالتأكيد في تحزب مضاد، وهو ما تلمسته شخصيا، عبر انحياز بعض الفضلاء ممن نحسبهم على الخير، إلى جانب الدفاع عن الشاب – مناطقية وتعصّباً مضاداً ـ وباتت صورة هؤلاء المشايخ الوضيئة أمامهم؛ شاحبة، متشحة سواداً.

أعتب من جهة أخرى، على كثير من طلبة العلم الذين يرون هذا الخطأ دون أن ينكروا على من يطلقون مثل هذه الآراء التي تتلبسها العنصرية والفوقية المجتمعية، فأدرك منزلة هؤلاء المشايخ، ولكن الحق أحقّ أن يتبع، ويجب أن يناصح هؤلاء المشايخ ويراجعوا فيما قالوه، أقلها درءاً للفتنة المجتمعية والانقسام المناطقي والعرقي والعياذ بالله، فالصامتون عن الخطأ شركاء في الإثم، والعلماء الربانيون حقاً هم المتجردون عن هوى النفس، المتراجعون عن الخطأ..

من جهة أخرى، دمعت عيناي وأنا أستمع للأم الولهى – في مكالمة وحيدة - وهي تشكو كيف كانت تعيش رعباً خلال الأيام الفارطات، وكانت تقول إن لديها بنات وأطفال، والبعض يأتي إلى الحي الذي تقطن فيه، ويدور بسيارته، ويسأل عنهم، وأنهم في وجل وخوف من أن يقتحم أحد عليهم المنزل، وقد قام البعض بتصوير المنزل وبثه في الإنترنت، وكنت أبعث لها عبر حديثي بعض الطمأنينة والهدوء: "بألا تجفلي، فنحن في المملكة، ورجال الأمن فيها لا يرضون أبداً أن تضاموا، ولن يجرؤ أحد على مسّكم بشعرة، إذ لا دخل لكم في هذه القضية"، والحمد لله، مضت الأمور على خير، وعاد ابنها الآن، الذي نرجو أن يفصل فيه القضاء بما يرضي الله تعالى، ترويع أمّ وبناتها بهذه الطريقة أسلوب قاسٍ لا يليق من أولئك الذين أنكروا.

ثمة جانب مهم في قضية حمزة، وهو طليعة الشباب أولئك والذين التاثوا بفكر الإلحاد والعياذ بالله، وكانت لي مقالة قبل عام أشرت فيها إليهم، إذ مع الانفتاح العولمي الذي نعيشه، أقبل هؤلاء على كتب الفلاسفة والملحدين، وقرؤوها ولمّا يتحصنوا بالفكر الإسلامي الحقّ، فتردّوا في مهاوٍ فكرية، وانزلقوا إلى دركات عقدية، إن لم يتدراكهم الله برحمته، فسيظلون سادرين في هذا الطريق -عياذا بالله- وهو ما يدعوني إلى المناداة بضرورة التصدي العاقل عبر طرح موضوع الإلحاد، والاعتراف بفشوه بين أوساط بعض الشباب السعودي، وإنشاء مراكز متخصصة لمحاورة هؤلاء الشباب الذين توحلوا بذلك الفكر، أو حتى من هو في منتصف الطريق، وبقي متشككا في شبهات وأسئلة الوجود الكبرى.

سيظل محمد صلى الله عليه وسلم معلماً ونبراساً وضياءً، حتى لأولئك الذين ينالونه ويجدّفون بحقه، ثقوا بهذا..