في الحدود الشمالية يعيش بعض العائلات بلا هوية أو إثبات شخصية، وتذهب الأعمار فيكبر الصغار ولا يجدون عملاً يقبل بهم دون هوية، ويموت الكبار وهم يجرون خلف معاملات إثبات هوية لأبنائهم.

قصص تحكي معاناة أطفال عاشوا طفولتهم ومراهقتهم بلا ملامح، لعبوا وركضوا وهم لا يعرفون من هم، كبروا وأصبحوا رجالاً يركضون خلف معاملات إثبات الهوية كما كان يفعل آباؤهم خوفاً من أن يعيش أبناؤهم مأساتهم، بعضهم تحدث لـ "الوطن" لعل الله يغير من حالٍ إلى حال، بينما رفض البعض الحديث خوفاً من تعقيدٍ قد يعترض معاملاتهم.

حرمنا الجنسية بحماس والدي وغرور صدام

يقص علي الدهمشي في حديثه إلى "الوطن" معاناة 4 عقود عاشها وشقيقه بلا هوية رغم أن شقيقاته الأربع سعوديات، بقوله "كنا بدوا رحلا قبل فترة توطين البادية بالسعودية، وكان هناك العديد من الأحداث الأقليمية، ونشط أحد القادة العسكريين لجمع كبار الفرسان من البادية للمشاركة في الحرب ضد إسرائيل بما يعرف بجيش (أبو حنيك)"، ويضيف "والدي ذهب مع عدد كـبير من البدو لمناصرة الفلسطـينيين في تلك الفترة وبقي هناك، وأدخلنا المدارس في الأردن تحت مسمى أردني بالتجنس من بادية العراق". ويؤكد أن منزلهم في فترة حرب 67 كان يكتظ بالعسكريين من الجيش السعودي المشاركين في الأردن، وقال "كان والدي يفخر باستضافته للجيش السعودي، وتقديم المساعدات لهم وللمصابين، وزوج 4 من شقيقاتي لعسكريين في الجيش السعودي".

وعن أسباب عدم حصولهم على الجنسية السعودية قال "توفي والدي في تلك الفترة وجاء شقيقي محمد للسعودية للحصول على الجنسية في عهد الملك خالد بمعرفة شيوخ القبيلة وأبناء عمومتي تم قبول معاملته وأثناء ذهابه من عرعر باتجاه سكاكا لدفع (ريال واحد) واستلام الجنسية تعرض لحادث مروري وتوفي قبل وصوله إلى سكاكا". ويضيف "بعد ذلك حضرت إلى السعودية مع شقيقي الأصغر محمود ووالدتي واستقررنا بها، وما زلنا مستمرين في المطالبة بالجنسية". ويشير إلى أن أبناء عمومته وشيوخ قبيلته تعهدوا بإنهاء معاناته وتم تحريك المعاملة عدة مرات إلا أنها توقفت، بسبب غرور الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وقال "سبب توقف المعاملة يعود إلى غزو العراق للكويت، حيث انقطعت العلاقة بين السعودية والعراق في ذلك الحين وكنا أنا وشقيقي وأبناؤنا ضحايا، لأن مخاطبات السعودية للعراق قبل غزو الكويت للاستفسار عن وضعنا في بادية العراق لم يرد عليها بسبب الحرب".

ويؤكد أنه اضطر إلى تعليم أبنائه وبناته في الجامعات الأردنية ولم يتمكن من تزويج أبنائهم من بنات أعمامهم، لأنهم يعتبرون أجانب في السعودية.

وحاولت "الوطن" الاستفسار من مدير مكتب مدير إدارة الأحوال بمنطقة الحدود الشمالية إبراهيم عبدالعزيز الربيش عن أوضاع من هم بدون هوية من الحالات المشابهة في المنطقة والإجراءات الخاصة بتجنيسهم أو إثبات هويتهم، إلا أنه اعتذر عن التوضيح، معللاً ذلك بأنه غير مخول بالتصريح، وحاولت "الوطن" الاتصال بوكالة الأحوال المدنية ولم يكن هناك رد.

الأب والأبناء تكفلهم الزوجة

يعيش إسماعيل فرحان الشمري وأبناؤه وبناته الـ 13 في المملكة باعتبارهم مقيمين بكفالة زوجته، سعودية الجنسية. ويذكر الشمري (65 عاماً) أنه قدم إلى المملكة بعد تحرير دولة الكويت من الغزو العراقي عام 1990، وقال "عدم حملي للجنسية السعودية، حرم أبنائي من الدراسة الجامعية وحطم آمالهم فتوقفوا عن الدراسة في التعليم العام وبحثوا عن وظائف إلا أنه لم تقبل بهم أي إدارة أو شركة، لكونهم لا يحملون الجنسية، حتى بدأ بعضهم بالعمل سائقا في توصيل طلبات المطاعم، بدخلٍ متواضع لا يكفي للمعيشة". ويضيف الشمري "سنويا أدفع 7 آلاف ريال لتجديد إقامات أفراد عائلتي، ولا أتعالج في المستشفيات الحكومية، لأنني أعامل معاملة المقيم"، مؤكداً أنه كثيراً ما يلجأ إلى المحسنين لمساعدته في ذلك، لأنه لا يعمل ولا يتقاضى معونة من جمعية خيرية، وحتى طلبه لضمان اجتماعي بحكم أن زوجته سعودية وهو كبير في السن قوبل بالرفض، كما يقول.

ويضيف إسماعيل "حالة ابني الأكبر هيثم (39 عاما) أصعب من حالتي، حيث إنه متزوج من غير سعودية ولديه أبناء وبنات ويجهل مستقبلهم في ظل انعدام الهوية"، بينما يصف حالة ابنه أحمد بالمطابقة لحالته كونه متزوجا من قريبته، سعودية الجنسية، التي تكفله وأبناءه بنظام الإقامة"، وأضاف "بينما بقية أبنائي يعيشون معي بعد أن عجزوا عن العثور على وظيفة تكفيهم الحاجة وتساعدهم في الوقوف إلى جانبي بدل إثقال كاهلي بالمصاريف". ويذكر إسماعيل أنه اضطر قبل 5 سنوات إلى القبول بنظام الإقامة بعد أن تعثرت معاملة منحه الهوية السعودية عدة مرات ولا يزال ينتظر الفرج، ليس له، إنما لأبنائه ليطمئن على مستقبلهم بعد أن حرم الراحة طيلة عمره.

بالاستفسار من مدير مكتب الضمان الاجتماعي بمحافظة رفحاء بندر حمود العنزي أكد أن "للحصول على ضمان شروطا يجب أن تنطبق على المستفيد".