خلال ملتقى جواثى بنادي الأحساء الأدبي، سنحت لي فرصة اللقاء بالدكتور القاص حسن محمد النعمي، وشد انتباهي ـ من خلال حديثه ـ انقطاعه الاجتماعي عن أبها، حتى إنه لا يعرف بعض أعلام الأدب فيها، ولم يلتق بهم قط، على الرغم من أنني لمست في حديثه حنينا شفيفا إلى المكان والناس واللهجة، مما جعلني ـ بعد العودة من الأحساء ـ أعود إلى أوراقه السردية، علني أجد المكان في قصصه، فوجدته جليا كحنين النعمي. والنعمي واحد من ثلاثة سرديين عسيريين، يشكلون جيلا أدبيا، والآخران هما: محمد علوان، وتركي العسيري، إلا أن ثالثهما، وهو الدكتور النعمي، استطاع مضاعفة أسباب صلته بالفن القصصي من خلال الجمع بين جانبين، هما: كتابة القصة بوصفِه قاصاً، ودراستها بوصفه باحثاً متخصصاً، إذ حصل على الدكتوراه في الفن القصصي من جامعة "انديانا" الأميركية سنة 1414. وهو متأخر – زمنياً - عن تركي العسيري في تاريخ بدء الكتابة القصصية، فلم يكتبها ناضجة إلا سنة 1399، لكنه سابق عليه في إصدار المجموعات القصصية بنحو ست سنوات، إذ صدرتْ مجموعتُه: "زمن العشق الصاخب" سنة 1404، وتضم عشر قصص، يستلهم فيها – كقرينيه- البيئةَ المحلية في عسير، وذلك جلي في قصص: "زمن العشق الصاخب"، و"فصول من رحلة التعب"، و"البوح بأسرارِ الكآبة" التي يتكئ فيها على أسطورةٍ شعبيةٍ عسيرية حول أبواب الرزق، ليتصل أسلوبه في مجموعته الثانية: "آخر ما جاء في التأويل القروي" التي صدرتْ سنة 1407، ويزدان بلغة شعرية، لكنه لا يبتعد عن بيئته حتى في عنوانات القصص، مثل: "طموحات مانع الأزدي"، حيث يوظف الأسطورة توظيفاً يجعلُها داخل الأحداث، كما هو الحال في قصة: "آخر ما جاء في التأويل القروي"، التي كانت عنواناً للمجموعة، بينما تصبح القصةُ تعبيراً عن قضية في مجموعتِه الثالثة: "حدثَ كثيب قال"، الصادرة سنة 1420، حين تظهرُ فيها شخصيات تميلُ إلى الرفض؛ ففي قصة: "حدث كثيب قال"، يقاومُ كثيب الذين أصابوا جَمَلَه، وفي: "رحيل الأستاذ بخيت"، يدافع بخيت عن حقه في التعبير، ويواصلُ "رهوان" في: "رهوان وبائع الجرائد" البحثَ عن عملٍ وأملٍ على الرغم من الأبواب الموصدة، بيد أن روح المكان تبقى مسيطرةً على الكاتب في هذه المجموعة، كما هو الحال في قصة: "الجنوبي"، مما يجعل المتأمل يخلصُ إلى أن عناصر البيئة المحلية تكاد تكون محوراً مشتركاً بين مبدعي الجيل الثاني من كتاب القصة في عسير، على الرغم من هجرة أجسادهم عن مدارجهم الأولى، لكن أرواحهم بقيت في جبالهم.