ما أن انتهى اجتماع دول منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) الأربعاء الماضي في فيينا برفض باقي الدول الأعضاء الاثنا عشر في المنظمة لمقترح تقدمت به المملكة ودول الخليج لرفع حصص الإنتاج، حتى امتلأ الفضاء الإعلامي بتقارير تفيد معظمها بأن المملكة ستقوم برفع الإنتاج بمفردها إلى 10 ملايين برميل يومياً الشهر القادم إلا أن المحللين يرون بأنه لا يوجد طلب كاف حتى الآن ليدعم هذا المستوى العالي من الإنتاج.
ولم تعلن المملكة رسمياً أية نية لرفع الإنتاج إلى 10 ملايين برميل في يوليو وهو ما يعني أن المملكة ستضيف نحو مليون برميل يومياً فوق ما سيتم إنتاجه في يونيو الجاري، إلا أن تقارير إعلامية عديدة نقلت عن مصادر في أوبك عقب انتهاء اجتماع فيينا أن المملكة سترفع الإنتاج لمدة شهر واحد إلى هذا المستوى ثم ستقوم بخفضه مرة أخرى.
وأوضح مصدر نفطي مطلع في تصريح إلى "الوطن" أنه من الصعب تحديد ما إذا كانت المملكة سترفع إنتاجها إلى مستوى 10 ملايين برميل يومياً في يوليو خاصة أن أرقام الإنتاج من الصعب تحديدها حالياً.
من جانبه أوضح كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي الدكتور جون اسفاكياناكيس أن السوق العالمية ليست في حاجة إلى كميات كبيرة من النفط حالياً نظراً لتوازن العرض مع الطلب، بالإضافة إلى أن المملكة قد شحنت جميع احتياجات المصافي في آسيا والولايات المتحدة خلال الشهرين الماضيين ولا يوجد طلب إضافي من المصافي خلال يوليو.
وقال اسفاكياناكيس في تصريح إلى "الوطن": "إن مليون برميل من النفط يومياً هو رقم كبير ولا يمكن إضافته بسهولة إلى الإنتاج ما لم يكن هناك طلب قوي جداً والمملكة لا تريد إلقاء نفطها في الأسواق قبل أن تجد له مشترين".
ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج المملكة من النفط في يوليو وأغسطس نظراً لدخول فصل الصيف والذي يتم فيه إنتاج كميات كبيرة من الكهرباء والتي يتم إنتاجها من خلال حرق النفط أو زيت الوقود الثقيل أو الغاز في محطات الكهرباء.
وتوقع اسفاكياناكيس أن يرتفع إنتاج المملكة مع دخول الصيف إلا أنه استبعد أن يصل الإنتاج إلى 10 ملايين برميل يومياً لتغطية الطلب المحلي وتصدير الباقي إلى الأسواق الخارجية.
وتستهلك المملكة نحو 800 ألف برميل يومياً من النفط لإنتاج الكهرباء إضافة إلى كميات كبيرة من الغاز الطبيعي لإنتاج نحو 46 ألف ميغاواط من الكهرباء تقريباً في المملكة.
المملكة والنفط الليبي
ومنذ أن انقطعت كميات كبيرة من النفط الليبي عن الأسواق والأسعار تتصاعد بصورة كبيرة نظراً للمخاوف الشديدة من عدم تمكن المصافي في أوروبا التي اعتادت على النفط الليبي الخفيف والمنخفض الكبريت وهو ما يعرف بالنفط "الحلو"، بتعويض النقص الحاصل في الإمدادات.
وكان مندوب إيران الدائم لدى منظمة أوبك محمد علي خطيبي قال في تصريحات نشرت أول من أمس إن زيادة إنتاج المملكة من النفط الخام لن تغير أوضاع السوق نظرا لأن الطلب يقتصر على الخام الخفيف مجدداً موقف طهران بأنه لا حاجة إلى تعزيز الإنتاج.
وقال خطيبي في تصريحات لصحيفة إيرانية إن الدول الثلاث التي أيدت زيادة الإنتاج - السعودية والكويت والإمارات كل ما تستطيعه هو زيادة إنتاج خامات النفط الثقيلة وعالية الكبريت في حين أن السوق لن تستوعب زيادة الإنتاج إلا إذا كانت من النوع الخفيف حيث لا يوجد طلب على النفط الثقيل في السوق.
وأضاف أن استيعاب النفط الثقيل كمادة أولية لشركات التكرير سيتطلب تغيير نمط الإنتاج واستثمارات مكلفة تستغرق وقتا طويلا وهم لن يفعلوا ذلك لأن الأسواق تنتظر عودة الخام الليبي من النوع الخفيف"
واستحدثت المملكة خلائط نفطية من خلال مزج نفطها الخفيف بأنواع أخرى لإنتاج نفط مشابه بالنفط الليبي وباعت أرامكو السعودية نحو خمس شحنات من هذه الخلائط قدرها أربعة ملايين برميل إلى شركات في أوروبا مثل برتيش بتروليوم وأو إم في وتوتال الفرنسية، بحسب معلومات حصلت عليها "الوطن".
ولكن هذه الخلائط لا تزال تحت التجربة من قبل المصافي التي اشترتها نظراً لأن تكرير الخلائط الجديدة يحتاج إلى بعض التعديلات الفنية.
وأوضح لـ"الوطن" محلل نفطي أن أسعار الخلائط لن يتم تحديدها بسهولة من قبل السوق قبل تجربتها وهو ما سيدفع بأرامكو إلى الانتظار قبل ضخ المزيد منها إلى السوق.
وهنا أضاف اسفاكياناكيس: "لقد جاء الطلب على هذه الخلائط أقل من ما كان الكل يتوقعه لأن المصافي الأوروبية لا تزال تقوم بتعديلات فنية تمكنها من تكرير هذه الأنواع الجديدة وهو ما سيستغرق بعض الوقت ومتى ما انحلت هذه الأزمة فإنه من الطبيعي أن يرتفع الطلب وعندها قد يرتفع الإنتاج بصورة أكبر."
انقسام أوبك حول الإنتاج
ولم تستطع المملكة وباقي المنتجين في الخليج العربي إقناع باقي دول أوبك برفع حصص الإنتاج بنحو 1.5 مليون برميل يومياً عما هي عليه الآن، لتستمر الدول الأعضاء الاثنا عشر في الإنتاج بنفس المستوى الحالي والبالغ 28.8 مليون برميل.
وأوضح وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي في تصريحات عقب اجتماع أوبك في فيينا الأربعاء الماضي أن المملكة وباقي دول الخليج في أوبك وهي الكويت والإمارات وقطر كانت تسعى إلى رفع سقف حصص الإنتاج بنحو 1.5 مليون برميل إلى 30.3 مليون برميل ولكن المقترح الخليجي لم يجد القبول بعد رفض ست دول من الاثنتي عشرة دولة رفع الحصص.
واتفقت دول أوبك على الاجتماع مرة أخرى بعد ثلاثة أشهر من الآن بصورة طارئة للنظر في مدى احتياج السوق العالمية إلى المزيد من الإمدادات وعلى ضوء هذا الاجتماع سيتحدد ما إذا كان من الممكن رفع سقف الإنتاج أم لا، بحسب ما أوضحه الأمين العام لمنظمة أوبك المهندس عبدالله البدري أمس والذي أكد عقب الاجتماع أن هناك ما يكفي من النفط في السوق حالياً وأن مخزونات أوبك ارتفعت إلى 4.5 ملايين برميل يومياً من 4 ملايين برميل يومياً.
ووصف النعيمي أن اجتماع أمس كان أحد أسوأ اجتماعات المنظمة بعد فشله في الاتفاق على رفع الإنتاج، وقال: "لم نتمكن من التوصل إلى اتفاق.. هذا أحد أسوأ الاجتماعات التي عقدناها على الإطلاق".
وقبيل الاجتماع أعلنت كل من الأكوادور وفنزويلا وأنجولا عدم حاجتها إلى رفع مستوى الحصص نظراً لأن العرض والطلب والسوق في حالة متوازنة تماماً وأبدت هذه الدول رضاها التام عن سعر النفط عند 100 دولار للبرميل وهو سعر مختلف عن السعر الذي تفضله المملكة والذي يتراوح بين 70 و 90 دولاراً للبرميل. وبعد الاجتماع أعلن ممثل حكومة العقيد معمر القذافي الليبية عمران أبو كرى أن ليبيا عارضت رفع الحصص وأنها راضية عن مستوى الأسعار الحالي.
وعقب الاجتماع أعلنت وكالة الطاقة الدولية وهي الخصم اللدود لمنظمة أوبك والتي تقوم بدور مستشار للدول الصناعية المستهلكة للنفط بأنها أصيبت بخيبة أمل نظراً لعدم تمكن أوبك من رفع حصص الإنتاج في ظل انقطاع الإمدادات النفطية في السوق العالمية والوضع الرقيق للاقتصاد العالمي والذي لا يتحمل وصول النفط إلى مستوياته الحالية.
وكان النعيمي قد ذكر عقب الاجتماع أن المملكة ملتزمة بإمداد سوق النفط بكل احتياجاتها، وقال الوزير إن اجتماع أوبك القادم سيعقد في 14 ديسمبر. وأشار إلى أن الأعضاء الخليجيين اقترحوا رفع الإنتاج بناء على تقييمهم للطلب في النصف الثاني من العام.