بالنسبة لي، أصبح التلفزيون السوري الرسمي وجبة مسائية للفكاهة والنكتة، أهرب بها بعضا من الوقت من نشرات الأخبار الحمراء الدموية. التلفزيون السوري، أصبح هذه الأيام، في حالة انعقاد دائم للبث المباشر يستقطب فيه آخر محنطي الشتاء العربي قبل حلول الربيع الذي لم يغير فحسب خريطة العالم العربي، بل غير معه حتى الوجوه التلفزيونية القديمة وأدخل إلى التشكيلة منتخبات ـ الشباب ـ الجدد وما زال تلفزيون سوريا ـ مركازا ـ لبقايا اليسار والقومية والاشتراكية والناصرية. ما زالت برامجه هذا المساء تصلح بامتياز لمرحلة الخمسينات من القرن الماضي وكل الفوارق في الألوان وتسريحات الموضة. بالنسبة لي، يبدو التلفزيون السوري ـ مفرزة ـ تظهر بوضوح كل الفارق ما بين اللونين الأبيض والأسود. بين الفكر المنقرض، وبين آمال الملايين من الأجيال الجديدة. بين المثقف المحنط الذي يسمر في الأستوديو ليليا للشهر الثالث عشر على التوالي ولكن بحصيلة لغوية لا تزيد على مئتي كلمة في كل الحوارات. يغير مواقع الكلمات وترتيب الجمل ليبدو الحوار مختلفا عن الليلة السابقة. ما زال التلفزيون الرسمي السوري قاموسا أصغر لما لذ وطاب من ذات الكلمات المعدودة وما زال، كما هو، قاموس جيب صغيرا بحجم الكف لكلمات كاذبة مثل المقاومة والممانعة وقلب العروبة النابض الذي يفترض في مشاهديه الكرام أنهم كانوا في غيبوبة لأربعين سنة ثم ـ بعثوا ـ فجأة فلم يعرفوا تاريخ النضال والمقاومة والممانعة.

التلفزيون الرسمي السوري لا يعرف اليوم أن أصغر سؤال بريء من فم طفل عربي أو أعجمي سينسف كل هذه الحوارات وسيضرب بالكيميائي كل مفردات المقاومة والممانعة في سؤال من أربع كلمات: ما هي أكثر مناطق العالم أمنا وأكثرها استقرارا وأمانا في العقود الأربعة الأخيرة؟ والجواب الذي يعرفه الأطفال في قنواتهم المتخصصة أن الجولان، لا السويد، ولا سنغافورة هي أكثر مناطق الكون بأكمله أمنا وأمانا دون أن يلتفت إلى هذه الحقيقة الصارخة أحد. خذوا من المفارقة أن ـ الجولان ـ لم تشهد في الثلاث سنوات الأخيرة حالة قتل جنائية واحدة. لم يردع هدوءها الوادع جدا في الثلاثين عاما الأخيرة طلقة رصاصة واحدة. لم يهرع فيها مواطن أو يهودي محتل إلى الملجأ أو القبو ولم تستخدم هذه الملاجئ لربع قرن ولو لمرة واحدة.

وفي العقد الأخير تحولت الجولان إلى ـ الكيبوس ـ المفضل لإجازات العجزة والعوائل من بني إسرائيل، والسبب أن سيد المقاومة والممانعة على الطرف الآخر من الخط! أعطوني مكانا واحدا على وجه هذه الأرض أكثر أمانا من الجولان لأعطيكم عنوان سيد المقاومة والممانعة.