في زمان العجائب، تتغير المبادئ. ومصلحة الأمة تصبح ثانوية عند مصالح الأفراد والأحزاب. في القاعدة الأميركية في أفغانستان تم حرق المصحف وانتفض الأفغان، واعتذر الرئيس الأميركي باراك أوباما، وشيوخ أفغانستان أفتوا بوجوب الجهاد ضد المحتل الأجنبي. ومع ذلك، تمر القضية بهدوء في الإعلام المسلم، ولن أقول الإسلامي، بل الإعلام المسلم عربياً كان أو غير ذلك. وحتى بعض قنوات وبرامج "الفتنة"، لم تهمها القضية وهي إهانة واستفزاز لمشاعر جميع المسلمين في العالم. لكن لأن القاعدة الأميركية في أفغانستان لا تضم بين جنباتها مثقفاً سعوديأً، أو مشكلة عائلية تقتات عليها البرامج الفضائية التي تقتات على الصراعات. كيف تجاهلت هذه القنوات وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، كيف تجاهلت قضية حرق القرآن وعلى مرأى من الجميع؟ لأنه لم يخرج طرف ليخون الآخر فيها، أو يشتم في الموضوع رائحة (ابن وطنه) فتم تجاهل الموضوع المهم الذي فيه إهانة لكلام الله عز وجل بقيام بعض الجنود الغربيين بحرقه في قاعدة أميركية في العاصمة الأفغانية كابول.

هذا أحدث مثال على الانتقائية في طرح القضايا، وحتى تلك التي تمس الثوابت. الانتقائية التي تبحث عن حدث ديني ذي بعد محلي، ولا تنظر للموضوع بشكل أشمل وأوسع. قضية حرق القرآن هي أكبر إثبات على أن مؤججي الصراعات في برامجهم يختارون من الأحداث المرتبطة بالشأن الديني ورقة يلعبون بها حسب المصلحة الإقليمية وليست الدينية، وليس حسب مصلحة الأمة الإسلامية جمعاء.

معظم البرامج الفضائية التي تناقش الشأن الديني حديثة الظهور هي برامج غير احترافية، لأنها تخلت عن مسؤولية الإعلام في علاج القضايا، إلى انتهاج أسلوب الصحافة الصفراء في طرح القضايا للنقاش، والبحث عن ضيوف يصرخون أكثر ويتحدثون بما لا يفيد إلا صنع بطولة مؤقتة تنتهي بانتهاء الحلقة، ويضيع المشاهد مرة أخرى، والمستفيد الوحيد هو مذيع البرنامج، راتبه يأتيه نهاية الشهر.