منذ الثمانينات وأحداث الشغب الرياضي مقترنة بمباريات دوري كرة اليد السعودي.. تبدأ شرارتها باحتجاجات لاعبين واعتراضهم على قرارات الحكام أو احتكاك لاعبين ببعضهم.. ويتطور الأمر لبقية زملائهم في أرض الملعب.. ويزداد الأمر تعقيدا عند تدخل الجهاز الفني أو الإداري في الأحداث.. كل هذا أمام جماهير بعضها جاهز للانفعال وهنا يحدث الانفجار وتصبح الأمور خارجة عن السيطرة.

ظاهرة الشغب الرياضي في مباريات دوري اليد استفحلت ويكاد لا ينتهي لقاء إلا بأحداث خارجة عن الروح الرياضية، كان آخرها وقائع لقاء الأهلي والخليج في نصف نهائي كأس الأمير سلطان بن فهد قبل أسابيع، ولقاء مضر والوحدة في بطولة النخبة قبل أيام قلائل.

كل هذه التصرفات غير المسؤولة تناقشها "الوطن" لمعرفة أسبابها وللتوصل إلى حلول تضع حدا لأحداث الشغب في ملاعب اليد السعودية لتبقى الرياضة ميدانا للتنافس الشريف.. تجمع بين المتنافسين ولا تفرقهم.

خروج عن الروح الرياضية

يرى نائب رئيس الاتحاد السعودي لكرة اليد تركي الخليوي أن أسباب الشغب أو إن صح التعبير (الخروج عن الروح الرياضية) مرده لأمرين، "تركيبة اللاعب أو الإداري الشخصية والنفسية.. بمعنى أنه عصبي بطبعه أو نقص في الوعي يجعله يستجيب لا إرادياً لردة فعل من حوله"، ويتابع "وما يثير هؤلاء ويقودهم للخروج عن الروح الرياضية أيضاً أحد أمرين، إما أن يكون حكم المباراة لم يوفق في بعض قراراته، أو نتيجة ردة فعل لإثارة المنافس له بالخشونة أو استخدام أي من أساليب الإثارة والإزعاج كالشتم أو الضرب بعيداً عن مرأى الحكم".

ويضيف "قد تستفحل هذه الأمور في هذا الفريق أو ذاك إذا لم يسع المسؤولون عنه ويقومون بمحاولات جادة لمضاعفة جرعة الوعي والتوجيه وأن يكونوا هم قدوة للاعبيهم، مع تسليمنا بأن مثل هذه التصرفات وإن تم الحد منها إلا أنها تبقى ما بقي الإنسان".

ويتطرق الخليوي إلى كرة اليد بقوله، "بالنسبة لكرة اليد فنزيد على أن طبيعتها تحتم الاحتكاك الجسماني وهذا كثيراً ما يكون شرارة للخروج عن الروح الرياضية".

ووفقاً للخليوي، فإن من سبل الحد من هذه التصرفات "العدل في الثواب والعقاب بين الأندية أو المؤسسات المنطوية تحت لواء هذا الاتحاد أو ذاك، ووضوح اللوائح وعدم احتمالها أكثر من معنى، وتطبيق اللوائح دون تفريق وسرعة البت في العقوبات وعدم العفو عنها بعد مدة من سريانها، والتواصل مع الأندية وإشعارها بأن الاتحاد المعني حريص على مستقبل اللعبة واللاعبين، وزيادة جرعات التوعية باللقاءات المتكررة بين الاتحاد ومسؤولي الأندية".

أما بالنسبة لشغب الجماهير، فيوضح "يمكن الحد منه كثيراً متى ما تحقق ضبط النفس لدى اللاعبين والإداريين لأنهم من يثير الجمهور بانفعالاتهم وخروجهم عن الروح الرياضية، والمدرج كما نعلم ممتلئ بناشئة ومراهقين لا يفكرون بما يفعلون ولا بعواقب ما يقومون به".

احتكاك جسماني

يوضح المدير الفني لفريق مضر لكرة اليد عبدالرسول الجزيري أن الشغب في ملاعب كرة اليد يعود إلى خشونة اللعبة والاحتكاك الجسماني بين اللاعبين فيها الذي يتسبب في شد عصبي وردود فعل عنيفة، ويوصي الجزيري زملاءه اللاعبين في الأندية أن يتسموا بروح معنوية عالية والتقيد بالقوانين والأنظمة، وقال "إذا حدث تجاوز من أحد، فعلى الطرف الآخر ألا يجعل المشكلة تستفحل".

ويضيف "لا يمكن أن نضع اللوم في كل الأحيان على الحكام، فاللاعب لا يجب أن ينفعل بسبب تغاضي الحكم عن خطأ لأنه قد يرى أن اللاعب يبالغ في الأمر، وعلى اللاعب أن يتقبل الوضع ويلعب بروح رياضية".

ويتابع "دائماً ما نحرص على توجيه لاعبينا بعدم التفاعل لما يقوم به بعض اللاعبين من استفزازات تعمد إلى نرفزة لاعب عصبي، لأن عددا من اللاعبين يحاول أن يؤثر على اللاعب العصبي ليخرج عن طوره، ونؤكد عليهم ضرورة ضبط النفس وتمالك الأعصاب والالتزام بلوائح اللعب".

ويستطرد "الإعلام والجمهور لا يمكن أن يلاحظا كل ما يجري على أرض الملعب من ضغوط يتعرض لها اللاعب من سب وضرب يؤديان إلى انفلات أعصابه، خصوصاً إذا تم كل هذا بعيداً عن أعين الحكم".

التهيئة النفسية مطلوبة

ويعلق قائد فريق مضر حسن جنبي بقوله "إن عدم التفات الحكم لأخطاء اللاعب في الفريق المنافس يسبب ردة فعل قوية، وهذا لا يعني أن الحكم متعمد بل ربما يظن أن اللاعب يمثل أو يبالغ في الإصابة وهي من وجهة نظره ليست قوية وناتجة عن احتكاك بسيط، كما أن الجمهور لا يتقبل ولا يرضى على لاعب فريقه بألا يمنحه الحكم حقه ويعاقب من أصابه، فتكون ردة فعله سلبية، ربما لانخفاض ثقافة بعض الجماهير، لكن يجب البعد عن ذلك والتعامل مع مجريات المباراة بصورة عادية".

ويذكر جنبي تجربة سابقة له فيقول "خرجت عن طوري مؤخراً وتهجمت على الحكم، وأنا أعترف بخطئي لأنني وقتها رأيت أن الحكم شدد العقوبة علي، وخففها على اللاعب المنافس فتلقيت بطاقة حمراء، وأتمنى ألا أكرر هذا الخطأ لأن الحكم بشر وله أخطاء، كما أن قراره الذي اتخذه لن يتغير سواء أخطأ في التقدير أم أصاب".

وتكمن المشكلة في نظر جنبي أيضاً في الجماهير، ويقول "تكون ردة فعلها سلبية عندما تتفاعل مع اللاعب المشاكس، وهي كالشرارة تشتعل خصوصاً إذا كان فريقها مهزوما وتثير مشكلة من أي موقف".

وحول توجيه اللاعبين بالهدوء النفسي والتصرف بتوازن، قال "نحن نهدئ بعضنا إلى حد ما، لكن الإدارة تتحمل المسؤولية الكبرى، وسبق أن حاضر أمامنا اختصاصي نفسي وقدم لنا دروسا وأساليب يجب أن نستخدمها، مفادها أن الحكم بشر ولا بد أن يخطئ، وأننا سنتعرض للضرب المتعمد أو غير المتعمد، لذا يجب أن نكون مهيئين لكل هذا حتى لا نخرج عن طورنا مهما كانت ظروف المباراة".

ويضيف "نحتاج إلى مثل هذه المحاضرات التوعوية من فترة لأخرى للتذكير، والمسألة أيضاً تعتمد على طبيعة شخصية اللاعب وبيئته والمجموعة التي حوله، فإذا كانت عصبية يتصرف اللاعب بسلبية، وإذا كانت هادئة يعيش أجواء إيجابية.. ولا أنسى أن هذه المباريات سبق أن شهدت مقتل شخص والقصاص من قاتله وإغماء عدد من الجماهير ومنهم أخي".

لغة التصاريح المستفزة

يرجع رئيس القسم الرياضي في صحيفة "اليوم" الإعلامي عيسى الجوكم ما يحدث من شغب في ملاعب اليد في المملكة إلى أن معظم الأندية المتنافسة في اللعبة تقع في منطقة واحدة هي الشرقية، وقال "6 أندية تتنافس على البطولات في المملكة أغلبها من نفس المنطقة ولهذا تعد كل مباريات اللعبة (ديربيات)، كما أن لغة التصاريح الساخنة جداً تثير الجماهير، ومستفزة وتدفعهم إلى الشغب في الصالات وخارج الصالات، وهذا لا يحدث إلا في المملكة، لأن اللغة في الإعلام الخارجي أرقى -على حد قوله-".

ويقول الجوكم "في مطلع الثمانينات احتد التنافس بين الأهلي والخليج، ثم انتقل إلى أندية أخرى، خرج فيها عن النص كثير وبدأ التلاسن ثم القذف بالحجارة خارج الصالات بين الجماهير، إلى أن أدى إلى مقتل شخص بالسكين والقصاص من قاتله، ووفاة آخر خرج من محاضره في الكلية باتجاه أحد الملاعب لمتابعة ما تبقى من مجريات مباراة فكان ذلك سبباً في رحيله، لكن الجمال في هذه اللعبة أن التصالح يتم في غضون فترة قصيرة لا تتجاوز شهراً، بعده نجد كل الأمور عادت إلى مجاريها، غير أنه في بعض الأحيان يتغلب فريق متذيل مؤخرة الترتيب العام للفرق على فريق كبير، مما يعطي المسابقة ندية وإثارة أيضاً".

المال سبب التحدي

يؤكد الاختصاصي الاجتماعي الدكتور عبدالعزيز الغريب أنه متى ما دخلت الرأسمالية في أي جانب قضت عليه، فالتنظير في علم الاجتماع يدل على ذلك دوماً في حال دخل المال في الرمز النوعي والمقصود به هنا الرياضة.

ويصف الغريب الشغب بأنه السلوك الذي يعبر عن التعصب، وبالتالي فإن دخول رجال الأعمال أسهم في إيجاد رموز جديدة تدار من خلالها المنافسات الرياضية، وأصبح المال رمزاً للتحدي لذا نجد هروب لاعب من ناد إلى آخر، ونرى في المدرجات العملات الورقية ترفع كتعبير عن وجودها في الرياضة كثيراً.

ويضيف "التعصب ينتج عن عوامل اقتصادية واجتماعية ويرتبط بالإعلام.. والسؤال المهم في قضايا الرياضة هو من يدير النفق الرياضي؟ فكثير من العاملين في الأندية الرياضية هم في الأساس جماهير متعصبة للنادي.. وعندما جاءت لقيادة النادي ظلت تحمل شخصية المشجع أكثر من العامل، حيث إن هناك فرقاً بين أن تساند فريقك كمشجع أو تعمل كإداري، فالإدارة مجال لتطبيق الأنظمة واللوائح بهدوء وتركيز دون تعصب"، وأضاف "وهذا ما أحدث فوضى في الرياضة لدينا بدخول من هم من غير ذوي الاختصاص كرجال أعمال واقتصاديين في المجال الرياضي وهدفهم الربح وليس طريقة الحصول على الربح".

ويتابع "مجتمعنا السعودي أيضاً هو من الشباب والتعصب يزداد في هذه المرحلة العمرية الشابة إذا لم ينضبط السلوك بلوائح تؤطره، وقد لاحظت صغار السن يعملون في المجال الرياضي وهم لا يملكون الخبرة والحنكة في هذا الجانب مما أسهم في التعصب، ذلك بخلاف إرث ثقافي واجتماعي مليء بالتعصب الديني والعرفي والقبلي والمناطقي وبالتالي فإن قابلية هؤلاء إلى التعصب كانت سهلة واستثارة مشاعرهم تجاه أنديتهم موجودة".

ويزيد "أيضاً هناك جانب نسميه في علم الاجتماع الشعور بالاضطهاد والغدر، وهو الذي يدفع البعض من الجماهير إلى التعصب إذا شعروا بالظلم".

وفيما يتعلق بسخونة التصريحات قال الغريب "إن الرئاسة العامة لرعاية الشباب بذلت جهودا كبيرة في ضبط رؤساء الأندية كالتوقيع على ميثاق الشرف وعدم المساس بالشخوص وعدم استغلال مكانتهم الاجتماعية، لكن هناك تقصيرا في تطبيق كل هذا".

ويتابع "كان رؤساء الأندية السابقون قبل سنوات طويلة يتميزون بالحكمة والمنافسة الشريفة والتعليقات لم تكن مستفزة بل ساخرة في الإطار المقبول، بينما الآن نفاجأ بأن بعض الحاليين خرجوا من رحم المدرجات، كما أن هناك إشكالية تكمن في وضع الأندية بين القطاع الحكومي واعتمادها على دعم رجال الأعمال الذين يأتي منهم من لم ينتخب بل بالتزكية لاعتبارات اجتماعية، والرئيس إذا أتى بالقوة لا يحسب حساباً للآخرين، ويشعر بأن النادي ملك له، وهو يختلف هنا عن الذي يأتي عبر صندوق الاقتراع".

ويشدد الغريب على عدم تغييب المؤسسات التعليمية لمواجهة هذه الظاهرة، خصوصاً أن التعصب موجود في المجتمع السعودي في كل المجالات والرياضة أحدها.