إذا تحدثنا عن أوروبا، فإن "الربيع العربي" لابد أن يدفعها إلى إعادة التركيز على قضية كانت إلى حد كبير ضحية للتجاهل طيلة الأشهر الأخيرة: الفوائد المترتبة على عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد الأوروبي. ففي ضوء الفرص الهائلة التي تتيحها الظروف الراهنة، لابد أن تكون المزايا المترتبة على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أصبحت بالغة الوضوح بالنسبة لأوروبا.

حول هذا الموضوع كتب كبير زملاء السياسة الخارجية بمؤسسة "بروكينجز" والممثل السامي للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية، خافيير سولانا، مقالاً تحليلياً قال فيه "الآن بعد انتخاب رجب طيب إردوغان لفترة أخرى رئيساً لوزراء تركيا، ومع تولي بولندا ـ الدولة التي تدرك تمام الإدراك أهمية أوروبا الإستراتيجية في العالم ـ لرئاسة الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية هذا الشهر، فإن الوقت بات مناسباً بالنسبة للاتحاد الأوروبي وتركيا لإعادة ضبط المفاوضات بينهما بشأن عضوية تركيا".

ويؤكد سولانا أن الخير الذي قد تجلبه تركيا لأوروبا كان واضحاً حتى قبل "الربيع العربي". والواقع أن أوروبا تتسم بالتنوع الثقافي بحكم التعريف، لذا فإن التنوع هو مصير الاتحاد الأوروبي. وإذا كان لأوروبا أن تتحول إلى لاعب عالمي فاعل، بدلاً من متحف، فإنها تحتاج إلى منظور جديد كما تحتاج إلى طاقة جديدة يمنحها إياها شعب تركيا.

ويوضح سولانا "لقد أصبحت أوروبا اليوم أكبر حجماً وأكثر اختلافاً مقارنة بأوروبا في عام 1999، عندما دعيت تركيا إلى البدء في عملية الانضمام. كما تشهد تركيا أيضاً أزمة اقتصادية عميقة، وهي الأزمة التي اندلعت بالتزامن تقريباً مع الوقت الذي شهد أخيراً الموافقة على معاهدة لشبونة ـ التي كان الهدف منها استيعاب توسعة الاتحاد الأوروبي. ولو كانت الموافقة على المعاهدة تمت في عام 2005 كما كان مرتقباً، لكانت الآن أكملت عامها السادس، ولكانت الضغوط التي فرضتها الأزمة على الإدارة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي ـ المرئية بشكل واضح في المشاكل التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة ـ أقل حِدة".

ويستدرك سولانا قائلاً "لكن الاتحاد الأوروبي يواجه المشاكل دوماً، وينجح في حلها، ثم يمضي إلى الأمام، فاليوم ليس لدينا وزارة خزانة، ولكننا على وشك أن نحظى بشيء مشابه. وعلى نحو مماثل، يتمتع البنك المركزي الأوروبي اليوم بصلاحيات لم يكن لأحد أن يتخيلها في عام 1997، على سبيل المثال"...

وعن تطور العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، يقول سولانا "بدأت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا باتفاقية شراكة تم التوقيع عليها في عام 1963. والآن بدأت مفاوضات الانضمام، والآن بات من الواجب فتح 35 "فصلا" ـ تغطي كل شيء من الزراعة إلى الطاقة، والمنافسة، والبيئة، وتشغيل العمالة، والسياسات الاجتماعية، وغير ذلك. ولقد فتحنا بالفعل 19 فصلا ـ أقل مما كنا نود، ولكن المشكلة الحقيقية هي أننا لم نتمم سوى فصل واحد من هذه الفصول، والأسوأ من ذلك أن سرعة المفاوضات تباطأت إلى حد كبير، بل إن شيئاً لم يحدث على الإطلاق في عام 2010. وإنني لأرجو أن يحدث تقدم ملموس في عام 2011 على مسار المفاوضات".

ويرى سولانا أن كلاً من تركيا والاتحاد الأوروبي يحتاجان إلى بعضهما البعض. فالاتحاد الأوروبي اليوم يمثل 75% من الاستثمار الأجنبي في تركيا، وما يقرب من نصف صادراتها وسياحتها الداخلية. وعلى نحو مماثل يعتمد أمن الطاقة في أوروبا على التعاون مع تركيا التي يعبر على أراضيها النفط والغاز الطبيعي القادم إلى أوروبا من آسيا الوسطى والشرق الأوسط.

ويضيف "كما يحتاج كل منا إلى الآخر على المستوى السياسي أيضا. إن الجوار التركي هو جوارنا؛ والمشاكل التي تواجهها مشاكلنا أيضا. ولا شك أن الفوائد الأمنية والمزايا الإستراتيجية التي سوف تعود على الاتحاد الأوروبي بحصول تركيا على العضوية الكاملة كثيرة، بداية بالعلاقة بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلنطي، الذي التحقت تركيا بعضويته منذ فترة طويلة. وعلى نحو مماثل، سوف تصبح مشاركة الاتحاد الأوروبي في حل مشاكل اليوم في منطقة البحر الأبيض المتوسط أسهل كثيراً إذا تمت بالتنسيق مع تركيا. وفي البوسنة والهرسك يشكل التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا أهمية جوهرية في التوصل إلى حل دائم".

ويعبِّر سولانا عن حلمه بقبول تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي بقوله "في هذه الأوقات العصيبة التي لا يمكن التكهن بأحداثها ولكنها رغم ذلك عامرة بالأمل، يحتاج العالم إلى العمل المشترك بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وهذا لا يعني تدبير اللقاءات والاجتماعات من حين إلى آخر لاتخاذ القرار فيما يتصل بكيفية التعامل مع مشكلة ما، بل يعني شيئاً أشد عمقاً وتحديداً. إنه يعني قبول تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي. هذا هو حلمي، وسوف أستمر في الكفاح حتى يتحول إلى حقيقة واقعة".