يا أخوان، وأيم الله ما جمعني الليلة، بفرح أخينا سعيد إلا إشفاقي عليكم، محبة لكم، ولأني لا شغل عندي الليلة، أيتها الكائنات المتأنقة، ها نحن نلتقي لقيا المبتهجين، الفرحين، نتقاذف أطراف الأحاديث ونبتسم، نهز رؤوسنا لبعضنا البعض وكأننا نفهم ما يدور حولنا، قبل أن نشرب القهوة ونفعل بقية تلك الطقوس الرتيبة، ثم ماذا..؟ هل يعلم أحدكم أنه ربما يموت الليلة؟ نعم.. هل تعلم أيها العريس أنه ومن الوارد جداً أن تقص تذكرة مغادرتك عن هذه الدنيا؟ أن ترحل بلا عودة، قبل ليلة دخلتك..؟ أنت لا تفهم، صدقني.. أنت كذلك، فحين تفرح بليلتك هذه دون أن تتذكر الموت الذي يحيط بك، فأنت ترتدي الغفلة.. وعمك الذي يبدو أنه يشاركك السرور بعد أن ألهب ظهرك بآلاف الريالات كمهرٍ لابنته؛ لا يعرف كم تبقى له حتى يرى أحفاده منك.. وأنتم أيها المصطفون جلوساً بجانب بعضكم البعض ككتب عتيقة مرصوصة، هل همس أحدكم بأذن من بجانبه قائلاً: "هيه.. ترى يمكن تموت.."! هل فعلها أحدكم..؟ قطعاً لا، تضعون رجلاً نحيلة على أخرى وكأن الأمر لا يهزكم..
حدثني ابن عمّي عن رجل ثقة أن أحداً ما قال لهم قصة مخيفة انتهت بوفاة أحدهم وهو يفتح باب شقته. يا أحبة.. والله إني مهتم بتذكيركم، وبألا تتجاهلوا ما نغصت به ليلتكم، وأتلفت به لحظاتكم الجميلة، مع أني لم أر دموعاً جماعية تسيل على وجناتكم، إلا أن ضميري النكدي.. استراح. بنهاية حديثي إليكم أبارك للأخ العريس ما فعله، ولا أجد تفسيراً منطقياً لبكائه الآن..
حدّق في ساعته، وتمتم: أين ذلك الرجل الذي يصرخ عادةً: "قوموا يالربع على عشاكم"؟