لا تعرف هل ماتقرأه رواية أم قصاً حكائياً أم استعادة للماضي كمروية شفهية آثر أن يدونها؟ هو لم يترك شيئاً من مداخل المكان ومشاهداته ومكوناته، إلا ولامسها وفسرها وعللها، لينهض بوظيفته السردية ضمن الانزياح الزمني الذي حدده في منجزه، فلديه حنين جارف إلى ماض تولى ولديه توق ممض إلى مستقبل أفضل. هذا مافعله الكاتب والروائي "صالح بن سعد الموسى" من خلال عمله الصادر من دار الفكر العربي واختار له عناوين متناثرة "صور حكائية _ لزوميات 07 _ أمالي الأرض السابعة" وطرحها على غلاف موغل في الانكسار والظمأ والرتابة وحالة الموات، فالأرض بمساحتها المفتوحة تبدو عارية ذابلة تحت وطأة الجفاف وقسوة الوهن، حتى ولو كساها بلون أخضر شفيف وباهت. تتمتع رؤيته بالغوص في باطن الأشياء ومثيرات المكان والتأمل الذهني، ضمن مستوى لغوي يحرص على فرادته ومغايرته وتداعياته الحرة حذرني قائلاً: "نحن كشجرنا العرعر جميل لكنه لايمنح ظلا وارفاً بما فيه الكفاية، لا تكن ظلاً لي"، وقد اتشح بتلك الوصية واستحضر مطمورها وما تعنيه، فتح ذاكرته على مصراعيها فانهالت مساربها لتروي المرئي والملموس وما تختزنه من مشاهد الحياة والذاكرة الجمعية، وما تمثله من فجوات ونتوءات ونواتج حضارية "جبل ظلم يأبى أن يكون جملة عابرة منحوه فصلاً من الكلام وتذاكروا اليوم القريب عندما دحرج الجرافات والبلدوزرات عن سفحه الجبلي، وأبى رأسه أن يكون منصة لبرج التلفزيون، بحثوا عن جبل صغير يقبل المهمة".
حاول صالح الموسى من خلال مخزونه وذخيرته ورصده ألا يتجاوز الحمولات الاجتماعية والتحول الحتمي، والإشارة إلى الاختراق الحضاري القسري لبراءة الأرض والإنسان، وما يمثله من صدمة واغتراب وتوجس ودهشة "الآتون من القرى الجافة من منابت الطلح يجدون في جبل عسير ذي الأنفاس الرطبة غاية الأمل، حيث الندى والطل وبنيات السحاب، يهرب إليها الفارون من جفاف البلاد المشرقية ورياحها وشوكها "صورتان دراميتان ومشهدان ضاغطان مثيران يعمق بهما الموسى ماتولد في ذاكرته من تخثرات في نسيج قريته، ومن ذوبان وتفريط وتهتكات في المزاج العام". حاول مرعي أن يستنهض الرجال للرقص حيث قام وأنشد بيتاً من العرضة الجنوبية، يقال للتحفيز على الطرب: "قوموا العبوا ياللي قعودٍ مخيّله لابد من حفره لغمر وشايبِ، ولكن أحداً لم يقم فجلس متبرماً وواصل أساه على أعراس الأمس"، "تناولت سعدى تنكة من مخزنها ودخلت مجلس النساء وهي تصيح بالنساء مافي التنكة شي! أنشدت أم فلوه لحن الخطوة الحزين: والبنيه تقول يابه رد للمشنوي ثيابه والخواتم والأوضاحِ وابعدوا هرجته عني لايقول لي ولا اقل له"!