لا يبدو إقلاع الحكومة اللبنانية الجديدة أمرا مُيسّرا في المدى المنظور لأسباب عديدة أهمها الخلل البارز في تكوينها وفقدانها للعامل التوافقي الذي كان محور تشكيل غالبية الحكومات السابقة منذ اتفاق الطائف. فقد ولدت الحكومة قيصريا بعد خلافات عاصفة بين مكونات الأكثرية الجديدة، ولم يكن بمقدور أي طرف فيها إخفاء التباينات حول قضايا وملفات أساسية بين محور حزب الله ـ تكتل التغيير والإصلاح ومحور رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعلى هامشهما النائب وليد جنبلاط. وقد وّلّدت هذه التباينات، خصوصا بالنسبة إلى المحكمة الدولية وأسلوب معالجة الموقف منها في البيان الوزاري، إرباكا واضحا يتجلى في تأجيل البحث في كيفية التعاطي معها خلال جلسات لجنة البيان الوزاري ريثما يتم إنجاز كافة البنود الأخرى.

والواضح أن الاتجاه العام يقضي بأنه لا يمكن للحكومة وبالتالي للبنان الخروج على الالتزامات التي تعهدها إزاء القرارات الدولية وموضوع المحكمة الدولية في ضوء ما يرد إلى الحكومة ودوائر القرار من إشارات أوروبية وأميركية تشدد على أن المحكمة الدولية والقرارات الدولية هي الخط الأحمر أمام الحكومة الجديدة لا يمكن التلاعب به.

وتقول مصادر وزارية مطلعة إن لبنان تبلغ من عواصم القرار الأوروبي أن المحكمة الدولية هي المفصل الأساسي في تعاملها مع الحكومة، وبالتالي فإن ما يفكر به حزب الله وحلفاؤه داخل الحكومة من أنه يجب العمل على بدء نقض المحكمة الدولية عبر وقف تمويلها اللبناني يثير اعتراضات الرئيسين سليمان وميقاتي اللذين يعتبران أن أي خطوة ناقصة في اتجاه المحكمة الدولية سوف تلهب شارع المعارضة أولا، وتغضب المجتمع الدولي ثانيا وهما بالأساس مستنفران سلبيا في مواجهة الحكومة الجديدة المتهمة بأنها حكومة سورية وحزب الله.

أما الإرباكات الأخرى داخل الحكومة فإنها تتعلق بالاستراتيجيات التي يريد كل طرف تثبيتها كخطة عمل للحكومة. ففيما يتعلق بالإرث الحريري داخل الحكومة والإدارة والمؤسسات فإن المواقف تتعارض بوضوح، حيث ينوي تكتل التغيير والإصلاح مدعوما من حزب الله وحركة أمل البدء بتصفية ما بناه الرئيس سعد الحريري وقوى 14 آذار داخل النظام، وهو الأمر الذي يخشى الرئيس نجيب ميقاتي أن يؤدي إلى ردات فعل في الشارع وعلى مستوى الطائفة السنية بالتحديد، فيما يرى مقربون من رئيس الجمهورية ضرورة التريث والتأني في أي عملية تغيير داخل الإدارة واستبعاد أي نوايا ثأرية.

ويبدو واضحا أن رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط يتمايز عن الطروحات التي يطلقها رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون خصوصا نوايا الأخير ضرب وتصفية القواعد الحريرية داخل الدولة. وقد برزت مواقف مسؤولين في الحزب الاشتراكي المناهضة للتصريحات النارية للنائب عون ونوابه ووزرائه كمؤشر على عدم موافقة جنبلاط على الخطط التي أعدها عون خصوصا ما يقول إنه تصفية قواعد الفساد في الإدارة والمؤسسات.

بناء على ما تقدم فإن الحكومة الجديدة أمام اختبار جدي لإثبات انسجامها وتجانسها في التعامل مع الملفات الساخنة، وبرأي مصادر قيادية في قوى 14 آذار فإن مؤشرات التشقق داخل الحكومة سوف تظهر بجلاء خلال فترة قريبة إن لم تكن قد بدات بالتجلّي خلال مناقشات البيان الوزاري.

وتقول المصادر القيادية المعارضة إن الرئيسين سليمان وميقاتي باتا في مواجهة مشروع انقلابي متكامل يريد حزب الله استكماله وتحديدا لضرب مفاصل القرارات الدولية الخاصة بلبنان وفي القلب منها المحكمة الدولية.