أثناء زيارة نتنياهو لأميركا لحضور مؤتمر آيباك السنوي الأسبوع الفائت، وللقاء الرئيس الأميركي؛ لا تكاد تُحصى الكتابات والتحليلات في الصحف العالمية عن مدى احتمالية وقوع ضربة إسرائيلية أو أمريكية لإيران! وبلا شك أن من أهم الأجندات التي جاء لمناقشتها نتنياهو مع الرئيس الأميركي هو مواجهة إيران، لكن هل هناك ضربة متوقعة هذا الربيع فعلاً؟
إن انتهاج إيران للمنطق الثوري الذي تزداد نبرته شدّة يوما بعد يوم، واستمرارها بتهديد المنطقة برمّتها، يجعل جميع أعدائها يتجهون ويتجمعون لمواجهة هذا الثور الهائج الذي لا يرغب حتى في الجلوس للتفاوض بشكل حقيقي! والمشكلة تكون أكبر وأصعب حينما يصبح ذلك الثور أقوى ويمتلك سلاحا مُدمّرا.
اندلاع الثورة السورية أجّل ربما نقاش ضربة كانت محتملة لإيران، حيث بسقوط حكومة البعث هناك تُنزع أحد أهم مخالب إيران في تلك المنطقة، الذي لطالما استخدمته في المناورات السياسية مع الغرب. وبسقوط ذلك الجيب الإيراني في المنطقة؛ سيصبح حزب الله (وهو المخلب الثاني لإيران) ضعيفا ومنقطعا لوجستيا وجغرافيا عن إيران! ومن الغباء أن تُشنّ حربٌ عليها في وقت لم تُحسم المعركة على مخالبها القوية بالمنطقة، بل ربما تكون هذه الخطوة (شنّ الحرب على إيران في هذا الوقت) إنقاذا لها للتدخل في هذا الوقت الذي لا زالت تُسيطر على مخالبها في تلك المنطقة. فإذا كانت ستواجه حربا حتمية، فإن المواجهة مع حلفاء في منطقتين حساستين أفضل وضعاً مما لو كانت وحدها! وهذا الأمر دعا بعض المحللين لوضع احتمال تدخل إيران في هذه الأوقات في محمل الجدّ، وأنها قد تُقدم على تصرف قد لا يكون متوقعا.
واضح من تصرفات وسياسات إيران أنها مصممة على امتلاك القنبلة النووية، وأنها تُسابق الوقت لذلك مهما كلفها الأمر. وبدراسة وقراءة تاريخ الثورة الإيرانية؛ نجد أنهم لا يترددون في المخاطرة والقرارات الصعبة، مما يجعل التنبّؤ بتصرفاتهم صعبا للغاية. وبنظر عدد من المراقبين؛ فإن اتخاذ إيران لخطوات جريئة أمرٌ وارد، كمحاولة إغلاق هرمز أو فتح جبهات داخل بعض دول الجوار، أو تحريك خلايا ودفعهم لأعمال تخريبية داخل دول مهمة بالمنطقة أو غير ذلك. كما إن دعم إيران وحلفائها للجماعات الإرهابية حتى السنية منها كالقاعدة وأمثالها أمر وارد وبقوة، لأجل تشتيت الانتباه وكسب مزيد من الوقت. والذي أخشاه ولا أستبعده؛ أن تقوم تلك الجماعات الإرهابية بحمل الراية من تلقاء أنفسها، وتقوم بتصرف غير متوقع، وتتبعثر معه كل الحسابات في المنطقة!
لكن، ما هي المخاطر المتوقعة من امتلاك إيران قنبلة نووية؟ بلا شك أنه بامتلاكها لها ستتغير خريطة التوازن العسكري في المنطقة لصالح إيران وحلفائها. كما إن مزيدا من الحروب والاحتقان الطائفي أمرٌ متوقع كنتيجة لذلك، إلا أن بعض المحللين ينظرون لجوانب أخرى قد تكون إيجابية للمنطقة في حال امتلاك إيران للقنبلة. فبامتلاكها للقنبلة تصبح إسرائيل (التي شكلت مصدر قلق للمنطقة لفترة طويلة) في هاجس وخوف، مما يُشتت انتباهها ودورها المُتركز على المحيط العربي. وهذا قد يفسح المجال نحو التحرر من بعض القيود التي كانت في السابق على دول المنطقة. كما إن هذا الأمر سيفتح سباق تسلح قد لا يكون في صالح إسرائيل وتوزان القوى الذي تريد أن تبقى متفردة بالقوة فيه.
أما موقف أميركا من الطموح النووي الإيراني؛ فبلا شك أنه مصدر قلق كبير لها، وأن أميركا لم تقبل حتى الآن وجودا لإيران نووية، جاء ذلك صريحا في كلام أوباما في الاجتماع المذكور بأنه "سوف يضرب إيران إذا لم يتبقَّ أي خيار لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية" من The Independent، وفي عبارة أخرى قال: "إن سياسته ليست في احتواء الترسانة النووية الإيرانية، وإنما في منع قادة طهران من تطوير قنبلة واحدة" من Washington Post. ولكن المؤكد أنه لا توجد قناعة كافية لشنّ الحرب على إيران (على الأقل في المستقبل القريب جدا)، خاصة وأنها في مرحلة استعداد لانتخابات قادمة، وغالبا أن رؤساء أميركا لا يتخذون إجراءات حاسمة في مثل هذه الأوقات الحرجة. كما إن تبِعات الفشل الجزئي في حربي أفغانستان والعراق مُضافا إليها تجربة فيتنام جعلتهم يفكرون جيدا ويتمهّلون في قرارات صعبة كهذه. بالإضافة إلى محاولة الحكومة الأميركية للحفاظ على النمو الاقتصادي الهزيل خصوصا في هذه المرحلة.
وهناك دعوات من عددٍ من السياسيين والمثقفين الأميركان لإسرائيل كي تصلح وضعَها الإقليمي بشكل سلمي، خاصة مع تغير الظروف وفقدانها لعدد من حلفائها بالمنطقة، مما جعلها في موقف أكثر ضعفا وتهديدا مما مضى. ومع صعود نجمي الصين والهند، فإن بعض المحللين السياسيين قد نصحوا إسرائيل بالبدء في تغيير وضعها وإستراتيجيتها بالتصالح مع محيطها، في الوقت الذي تستغني فيه المنطقة تدريجيا عن القوى الغربية التي لديها علاقات إستراتيجية مع إسرائيل، وتتجه نحو الشرق الذي ليس لديه تلك العلاقة معها.
ولكن، كما إن المتطرفين يحكمون إيران، فهم أيضا يحكمون إسرائيل! حيث يُترك العقل جانبا، وتُستجلب الآيديولوجيا المتشددة حتى لو خالفت العقل والرشاد. فمن الواضح قناعة إسرائيل بضرورة الضربة العسكرية لإيران، وهي تحاول بكثافة إقناع أميركا وأوروبا بتلك الخطوة بأسرع وقت. وكان من كلام نتنياهو في الزيارة الأخيرة أن قال: "بينما نعترف أن ضربة عسكرية لإيران مكلفة، أعتقد أنه ينبغي أن نبدأ بالحديث عن تكلفة عدم ضرب إيران" من Washington Post.
بعد هذا العرض السريع؛ لا أعتقد أن خيار الحرب في صالح المنطقة أبدا، بل إن التآلف والاجتماع السياسي والثقافي بين الدول العربية وإيران هو الحل الإستراتيجي والأصلح لشعوب المنطقة ومصالحها، إلا أن قادة الثورة بإيران يبدو أنه لا يروق لهم ذلك!