في 22 يونيو المنصرم، وفي مستودع في سياتل، الولايات المتحدة، رفع أبو خالد عبداللطيف بندقية آلية من نوع (إم16) لا تحوي طلقات إلى كتفه، سدد إلى مكان ما، وضغط على الزناد عدة مرات حيث تخيل نفسه يطلق النار على متطوعين عسكريين جدد في الجيش الأميركي. صديقه القديم والي مجاهد فعل الشيء نفسه. الرجلان كانا قد جاءا إلى المستودع مع شخص ثالث لفحص الأسلحة التي تم شراؤها بأموال وفرها عبداللطيف. يقول تقرير نشرته مؤسسة "ستراتفور" الأميركية للأبحاث في آخر يونيو أن البنادق وعددا قليلا من القنابل اليدوية كانت ستستخدم في مهمة قادمة: هجوم على مركز تطوع للجيش الأميركي في منطقة صناعية جنوب سياتل. بعد التأكد من صلاحية البنادق الآلية ومناقشة استيعاب مخازن الطلقات التي اشتروها، أعاد الرجال البنادق إلى صناديقها على أن يتم نقلها إلى مخبأ مؤقت. ولكن لدى محاولتهم مغادرة المستودع، فوجئوا بعدد كبير من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) يطوقونهم ويعتقلونهم. كانت خطتهم للقيام بعمل إرهابي داخل الولايات المتحدة قد اكتشفت عندما قام الرجل الذي كانوا قد دعوه للمشاركة في خطتهم (وهو الذي قام بعد ذلك بشراء الأسلحة) بإبلاغ شرطة سياتل، التي قامت بدورها بإبلاغ مكتب التحقيقات الفيدرالي.

ومع أن تصرفات عبداللطيف ومجاهد في هذه المؤامرة تبيِّن أنهما مجرد هواة، إلا أن خطتهما كان يمكن أن تنتهي بشكل مختلف لو أنهما تعاطفا أكبر من الرجل الذي سعيا إليه طلباً للمساعدة فقام بتسليمهما للشرطة عوضاً عن ذلك. هذه الحالة تُبيِّن أيضاً توجهات جديدة هامة في الإرهاب واحتمال تغير في عقلية الحركة "الجهادية".

التوجهات

أولاً، أبوخالد عبداللطيف ووالي مجاهد، وكلاهما أميركيان اعتنقا الإسلام، شخصان استلهما أفكارهما من تنظيم القاعدة دون أن تكون لهما أي ارتباطات بالتنظيم، أي أنهما مثال عن "القاعدة الشعبية" للتنظيم. ومع أن القاعدة الشعبية تمثل تحدياً لقوى الأمن لأن عناصرها يمكن أن يبرزوا من أي مكان غير متوقع، إلا أنهم عادة غير مدرَّبين ويفتقرون إلى المهارات الأساسية ومن الصعب أن ينفذوا هجمات معقدة، وغالباً ما يرتكبون أخطاء تكشفهم. وهذا ما حدث في مؤامرة سياتل.

ثانياً، خطة الهجوم قضت باستخدام بنادق آلية وقنابل يدوية في هجوم مُسلح، وليس استخدام متفجرات من صنع يدوي كما كان في عمليات سابقة تم إحباطها.

ثالثاً، كان عبداللطيف من المعجبين بالشيخ أنور العولقي من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لكنه لم يتواصل معه مطلقاً، بعكس الرائد نضال مالك الذي قام بعملية فورت هود. أهمية العولقي تكمُن في أن دروسه ومحاضراته تتم باللغة الإنجليزية، مما سهل على عبداللطيف ومجاهد، وكلاهما لا يتحدث العربية، الاستماع إليه والتأثر به.

نقاط الضعف

خطة سياتل تم الكشف عنها بالصدفة بسبب إبلاغ شخص مُسلِم عنها وليس بجهود وكالة الاستخبارات المركزية أو مكتب التحقيقات الفيدرالي. هذا يبيِّن أهمية الاعتماد على المواطنين، وخاصة المسلمين، في كشف مؤامرات "القاعدة الشعبية" للإرهاب. وحتى لو كان الرجل الثالث قد قرر المشاركة في العملية وعدم الإبلاغ عنها فإن الجماعة كانت عرضة للاكتشاف لأسباب متعددة. السبب الأول أن عبداللطيف كان قد نشر عدة تصريحات على الإنترنت أيد فيها القيام بهجمات ضد الولايات المتحدة. ثانياً، أي شخص يعتنق الإسلام ويختار لنفسه اسم "مجاهد" لا بد أن يتوقع أنه سيثير اهتمام السُلطات. ثالثاً، كان عبداللطيف ومجاهد جريئين في محادثاتهما الهاتفية ولم يكونا يخفيان الكثير خلالها.

وربما كانت أهم نقاط الضعف لديهما، بالإضافة إلى حاجتهما لشراء أسلحة، هو ضرورة قيامهما بمراقبة الهدف قبل العملية. فرغم الفوائد الإلكترونية للإنترنت، إلا أنها لا يمكن أن تعوض المراقبة الفعلية للهدف على الأرض. مثل هذه المراقبة من الممكن جداً أن تؤدي إلى كشف المخطط قبل تنفيذه.

منعطف جديد

أحد مظاهر هذه المؤامرة التي تجعلها مختلفة عن غيرها هو أن عبداللطيف أصر أنه يريد أن يستهدف الجيش الأميركي وأنه لا يريد أن يقتل مدنيين أبرياء غير مسلحين. هذا يختلف كثيراً عن المؤامرات السابقة مثل محاولة تفجير سيارة في ساحة (تايم سكوير) التي كانت تستهدف مدنيين. سلوك عبداللطيف قد يكون انعكاساً للجدل بين "الجهاديين" في مناطق أفغانستان وباكستان والجزائر حول قتل من يعتبرونهم أبرياء. إذا توسَّع هذا الجدل في الحركة "الجهادية" فقد يكون له تأثير على عملية اختيار الأهداف للهجمات المستقبلية التي يقوم بها عناصر من "القاعدة الشعبية" للتنظيمات "الجهادية". كما أنه سيعني أن الأهداف المحتملة السابقة، مثل محطات الأنفاق والطائرات المدنية والفنادق، سوف تكون أقل عرضة للهجمات في المستقبل من الأهداف العسكرية السهلة. وإذا كان هذا صحيحاً، فإن ذلك يعني أن هناك تحولات هامة في طريقها على الساحة الأيديولوجية وقد يكون "الجهاديون" قلقين من خسارة التأييد الشعبي لهم.

من المبكر التأكد مما إذا كان هذا توجها أو أنه مجرد تصرف منفرد من مهاجم منعزل ينتمي إلى "القاعدة الشعبية" للحركة "الجهادية".