لا جدال على حقيقة أن أكبر خطر يهدد استقرارنا وأمننا هو فشلنا، لا قدر الله، في استيعاب الباحثين عن العمل خلال العقدين القادمين. أرجو ممن يختلف معي هنا أن يعذرني، فأنا أتحدث عن وجهة نظري الشخصية فقط. معظم التقارير والدراسات تشير إلى الحاجة السنوية إلى خلق أكثر من 300 ألف وظيفة جديدة في المملكة. ولا جدال أيضاً أننا هنا نتحدث عن القطاع الخاص وليس الدولة لملء هذه الفراغات. وظائف الدولة الشاغرة كما نعلم جميعنا محدودة جداً وحتماً لن تتمكن من استيعاب مثل هذه الأعداد كل عام.
ولا جدال أيضاً أن الحديث الجاد المبتكر عن هذه المعضلة لم يأخذ حجمه الحقيقي بالرغم من برامج وزارة العمل بقيادة وزيرها القدير المهندس عادل فقيه وجهودها في فرض السعودة. فحتى مع الافتراض بنجاح هذه البرامج وهي بحول الله ستنجح، فهذا لا يكفي. عندما أقول الحديث الجاد المبتكر فإنني أتحدث عن نقل الموضوع إلى المراتب العليا في أولويات الوطن. أتحدث في واقع الأمر عن تدخل مجلس الأمن الوطني السعودي وضرورة تفاعله الحقيقي مع البطالة أو لنقل مع مشكلة عدم وجود الوظائف الجديدة القادرة بأعدادها وجودتها على استيعاب القادمين إلى السوق.
ما لم نباشر بالقيام بهذه المهمة الوطنية الكبرى من خلال منظور أمني وبالاستعانة بالدراسات الجادة ذات الصبغة الصادقة والشفافة فإننا سنندم كثيراً، وسنجد أنفسنا في مواجهة مشكلة لا تنفع معها الحلول العاجلة كما اعتدنا. إذاً لنتفق هنا أن المشكلة الأساسية هي عدم وجود أي نمو معتبر للوظائف المناسبة.
أجد أنه من المناسب والمتصل بموضوعي هذا استعراض خبرين تناقلتهما الصحف، أحدهما في أميركا والآخر في حائل. الخبر الأول تم نشره قبل أيام حول عزم طيران الإمارات على تقديم طلباتها لشراء الجيل الجديد من طائرات بوينغ 777 إكس وهي النموذج المطور لطائرة بوينج 777 المعروفة تزامناً مع افتتاح خطين جديدين في أميركا إلى مدينتي سياتل ودالاس في ولايتي واشنطن وتكساس على التوالي. يقول الخبر: "وأكد مسؤولون حكوميون في مدينتي سياتل ودالاس أن افتتاح المحطتين الجديدتين سيضخ أكثر من 400 مليون دولار أميركي سنويا في اقتصاد ولايتي تكساس وواشنطن، سواء في الأنشطة الاقتصادية المباشرة أو غير المباشرة، فضلا عن توفير أكثر من 250 ألف فرصة عمل، وخاصة عبر صفقات الناقلة مع بوينغ". (البيان).
أجزم هنا أن ثلثي هذا العدد من الوظائف التي أشار إليها الخبر تعتبر خارج نطاق تصنيع الطائرات. أما الخبر الثاني فقد نشرته صحيفة الرياض في عددها ليوم السبت من هذا الأسبوع. يقول الخبر: "أكد صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن أمير منطقة حائل أن تشغيل الرحلات الجوية الدولية من مطار حائل وإلى القاهرة يعد خطوة في مشوار تطويري شامل لمنطقة حائل سيلمسه الجميع. معتبرا هبوط أول رحلة دولية على مطار المنطقة انطلاقة موفقة للطيران الدولي ويلبي احتياجات المواطن والمقيم". وقال سموه: "وضعنا قدمنا في اتجاه الهدف الصحيح وطموحنا متجدد ومتصاعد في خدمة القطاعات في المنطقة، ومنها قطاع الطيران، مما يساهم في تعزيز دور أدوات التنمية الشاملة". وعرّج سموه إلى تنامي وتطور المنطقة خلال السنوات الأخيرة وما حدث فيها من متغيرات تنموية متسارعة وتضاعف النمو السكاني من المواطنين والمقيمين كان له دور في إضافة الرحلات الدولية في منطقة حائل". في المقابل تحسنت أحوال قطاع السفر والسياحة والخدمات في منطقة حائل خلال الفترة الراهنة بعد دخول خدمة التشغيل الدولي للرحلات الدولية من مطار حائل إلى القاهرة وستتبعها لاحقا رحلات دبي بالإضافة إلى وجهات أخرى. وشهد مطار حائل حراكا إيجابيا بعد تسيير الرحلات حيث خُصصت رحلتان في الأسبوع من حائل إلى القاهرة وسط ازدحام كبير من المسافرين الراغبين في السفر.
أنا أتساءل هنا، منذ متى كان يفترض أن يتم افتتاح خط دولي كهذا؟ ما الأسباب التي أدت إلى تأخر هذه المبادرة؟ لو تفحصنا الأمر كثيراً سنجد أن هناك ألف سبب وسبب لا علاقة لها بالتنمية ولا علاقة لها بحاجة المدينة ولا لأي شيء آخر. إنها اسباب غياب صناعة القرار فقط، وتمييع المبادرات. لو أخذنا هذه الملاحظة في عين الاعتبار فإن أولى الأولويات إذاً هي تطوير العمل الذي يؤدي إلى قرارات سريعة ومشجعة لكل مبادرة خلاقة.
هذا الاستعراض السريع لما حدث في ولايتي سياتل وواشنطن ولما حدث في مدينة حائل يمنحنا حرية التحليق إلى آفاق ومبادرات كثيرة ربما بل مؤكد أنها غائبة عنا. الهدف بالطبع يبقى "خلق الوظائف" والوسيلة أو الوسائل لتحقيق ذلك هي مثل هذه المبادرات. أنا أتفق تماماً مع ما ذكره سمو الأمير سعود بن عبدالمحسن، أن هذا الخط الجديد على بساطته وحجمه سينعكس إيجاباً على النقل والإقامة والجودة والخدمات بشكل عام في المنطقة. وهذا كله يعني البحث عن موظفين وموظفات في عدة قطاعات للوفاء بهذه المتطلبات.
أختتم بما بدأت به وهو أننا هنا وفي حديثنا عن الحاجة لخلق فرص عمل جديدة لا نتحدث عن ترف أو كماليات بل عن قضية مصيرية في غاية الأهمية. فإن كانت الوظائف الغائبة، وهي سبب رئيسي في ارتفاع أرقام البطالة، لن تأتي إلا عبر مبادرات جديدة فليكن.. ما المانع من ذلك؟ هل نستسلم للبيروقراطية والتردد في دعم الأفكار الجديدة وندعها تنهش بمستقبلنا؟ لا أظن أن عاقلا ومهما كان توجهه قد يتفق مع هذا القول. هنا يأتي دور مجلس الأمن الوطني الذي أشرت إليه، والتوصيات المأمولة منه في سبيل المحافظة على أمن واستقرار بلادنا الغالية.