تحدثت في مقالي السابق، أول من أمس، محذرا من تفشي العنصرية المناطقية أو القبلية أو المذهبية بين أبناء هذا الوطن الكريم داعيا إلى تبني قانون يجرم التمادي في المعايرة أو التنابز بما يسمح بضبطها في حدود لا تخرج عن حدود المداعبة والمزاح بين الأفراد / الأصدقاء وذكرت من ذلك مفردات يتم تداولها بين أبناء الوطن من جنس: طرش بحر.. وصفر سبعة.. وشروق.. وانغماسا في سرد بعض المفردات التي تستخدم للسخرية خاصة مع تنامي حس "التنكيت" لدى السعوديين فقد انتقلوا سريعا من طريقة سرد النكت على نسق "كان فيه جحا" إلى تبني شخصية محلية محبوبة وكريمة واضحة لا تحب المداهنة ولا التملق وهي الشخصية الحوطية التي صارت تقابل على الصعيد العربي في الممازحة شخصية الصعيدي المصري أو الزحلاوي اللبناني أو الحمصي الشامي وهكذا، فلو أمعنت النظر في كل الأجناس المذكورة لوجدتها تنتظم في خط سلوكي متقارب من حيث الطيبة والعفوية.

ومعلوم أن كل ما ذكرته أعلاه من "معاير" وتنابز بين أبناء المملكة لا بأس به في ظني إذا قيل على نحو المزاح وتبادله بما لا يجرح المشاعر ولا يمس كرامة أحد الأطراف بين الرفقة أو الشلة الواحدة، لكنه يرقى إلى وجوبية النهي والزجر والعقاب إذا خرج إلى حد التعنصر البغيض، بما يهدد الوحدة أو يمس بثوابت هذا الكيان الذي يضم بين جنباته كافة الألوان والأعراق التي انصهر شتاتها واجتمعت فرقتها في كينونة واحدة فلا يجوز والحال كذلك أن يبقى الأمر من دون ضبط أو تقنين.

وأظن أن على مجلس الشورى معالجة هذا الأمر من كافة جوانبه والرفع به إلى الجهات التنظيمية لإقراره تحسبا لمشاكل قد تقع مستقبلا ـ لا سمح الله ـ.

لما قال أبو ذر لبلال بن رباح رضي الله عنهما يا ابن السوداء فإن سيدنا ومعلمنا محمد صلى الله عليه وسلم قد زجره وقال له إنك امرؤ فيك جاهلية، وفي القرآن الكريم نهي صريح عن السخرية بالناس واحتقارهم ومعايرتهم بما يكرهون: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون).

أما في أمريكا فقد أقيل المدعي العام بولاية فرجينيا الأمريكية في عام 2004 برغم اعتذاره بعد اتهامه للسود في غرفة دردشة على الإنترنت عندما قال إن نزعة الجريمة لدى السود جينية! وقضايا تجريم العنصرية في الغرب لا يمكن حصرها وعدها في هذا المقام.

وسأختم بواقعة طريفة سبق أن رواها لي رجل الأعمال الصديق خالد الشثري، يقول أخي خالد مع بداية انتشار مد "التنكيت"على الحوطيين قبل 15 عاما تقريبا كنت في جدة أتعشى في ضيافة بعض الأصدقاء من الإخوة الحجازيين وكان التسامر والتسابق على رواية النكت هو السائد وكانت شخصية "الحوطي" هي محور هذه النكت، وقبل أن تنفض السهرة ـ يقول خالد ـ قمت بدعوتهم للعشاء عندي في منزلي في الرياض وحددنا موعدا يناسب جميع الحضور لكن المفاجأة أن أحد الحضور وضع شرطا لقبول الدعوة، عندما قال: "يابويا يا خالد هيّا ما تزعل مني .. ماراح نقبل عزومتك إلا بشرط بس لازم تدينا الموافقة من دحين"

قال خالد: أبشر وش هو شرطك؟!

قال الرجل: "إزا تبغى نجيلك الرياض معناها لازم تكمل أصول الضيافة وتجيب لنا واحد حوطي.. أنا أصلي أبغى أشوف هادا الحوطي ايش شكله.. عامل للعالم قلق ومسوي فيها رجج أبغى أعرف هادا الهرج اللي اسمعه عن الحواطي هو من جد وإلا هم مسوينها بهللة".

يقول الشثري كتمت الضحكة في صدري وقلت: "كيف لو يعرف أن اللي قدامه أكبر حوطي" ورديت على الفور: غالي والطلب موجود!!.