منذ عام تقريبا وفي هذه الزاوية كتبتُ تحت عنوان "فقط في معرض الرياض للكتاب" متسائلا عن أسباب كونه المعرض الوحيد الذي يقوم فيه أشخاص بالتدخل في عمل المنظمين "لفرض أذواقهم وأهوائهم تحت مسمى الاحتساب، ويمارسون العنف ويتلفظون بكلام غير لائق تجاه العارضين والمسؤولين".
ومع أحداث هذا العام يبدو أن الخلل ما زال مستمرا، والقضية لم تحسم بعد، والواضح أنه من الصعب حسمها، فأصحاب الصوت العالي يصرون على تطبيق قناعاتهم وذائقتهم على غيرهم، متجاهلين تماما قناعات الآخرين ورغباتهم بالاطلاع على هذا الكتاب أو ذاك من الإصدارات الحديثة أو القديمة التي يتيح معرض الكتاب فرصة لهم لامتلاكها وقراءتها بعمق في البيت.
وبحسبة من نوع مختلف يستطيع أي شخص أن يكتشف أن "الممانعين" لإقامة المعرض إنما يروّجون له بدعواتهم المختلفة ضده وهجومهم عليه، وبقراءة حال المعرض نجده يكبر عاما بعد عام، ويزداد الإقبال عليه من الناشرين والجمهور/ مما يؤكد أن الكتاب الورقي ما زال صديقا للإنسان على الرغم من كل التقنيات الحديثة وعالم الإنترنت المذهل.
من جهة أخرى يأتي حضور السويد بصفة ضيف الشرف في معرض الرياض الدولي للكتاب خطوة موفقة من القائمين عليه، فهناك الكثير من الحالات الإيجابية لدى أدباء السويد تجاه قضايا العرب والمسلمين، واستضافة إبداعاتهم وإبداعات غيرهم قد تفيد في تحويل بعض الحالات السلبية إلى إيجابية عندما يشاهد الكاتب بنفسه الثقافة العربية والإسلامية فيكتب عنها بدل أن يتلقى صورة قد تبتعد عن الواقع كثيرا، ليبني عليها بعض كتاباته التي قد تحدث شرخا بين الثقافتين.
من الحالات الإيجابية لدى السويديين الكاتب "أولف ستارك" الذي تحدث منذ أيام في محاضرة بمعرض الرياض للكتاب عن "الجدار العازل" وأطفال فلسطين الذين كتب رواية عن معاناتهم تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وهناك حالات إيجابية سويدية أخرى مثل الكاتب هينيك مانكل الذي سافر مع أسطول الحرية عام 2010 لفك الحصار عن قطاع غزة، فهوجم من قبل الجنود الإسرائيليين واعتقل، وكتب مشاهداته التي فضحت ممارسات قوات الاحتلال بعد ترجمتها لعدد من اللغات، وكرر مانكل التجربة عام 2011.
كذلك فضحت الكاتبة السويدية آنا كاثرين لول التي كانت على متن إحدى سفن أسطول الحرية الهجوم الإسرائيلي في المياه الدولية على السفن التي كانت تحمل مساعدات إنسانية لأهالي غزة، واعتبرت الهجوم قرصنة قاسية.
ليت "الممانعين" اتخذوا قرار المساهمة في المعرض بدل الممانعة، وأظهروا للضيوف ما يفترض أن يكون لنقل صورة مشرقة عن ثقافتنا، فالضيوف سيكتبون عما رأوه، وأوروبا سوف تقرأ.