تحدثت منذ أسبوعين على صفحات هذه الصحيفة الغراء تحت عنوان: "البحر الأحمر وظاهرة القحط في جزيرة العرب"، حول صور الطاقة المتحولة عن الطاقة الشمسية، كما أوضحت أن جميع صور الطاقة فيما عدا الطاقة النووية هي صورة من صور الطاقة الشمسية المتحولة، كما تحدثت أيضا في نهاية المقال عن المميزات الجغرافية والبيئية عن البحر الأحمر.

وفي الحقيقة، إن ما سردته في ذلك المقال لم يكن سوى مقدمة لما سأسرد اليوم في هذا المقال عن دور البحر الأحمر في التخفيف من وطأة القحط في جزيرة العرب.

الموضوع شائك ومعقد ولكنني سأحاول ما استطعت تبسيطه ليتسنى فهمه وهضمه.

الظروف المناخية في المناطق المحيطة بمنطقة حوض البحر الأحمر، وأقصد بذلك المنخفضات والمرتفعات الجوية التي تتشكل فوق كل من القارة الآسيوية والأفريقية، فرضت على البحر الأحمر نظامين فصليين مختلفين تماما من الطقس؛ ففي فصل الصيف يتكون فوق شبه القارة الهندية ما يعرف بالمنخفض الجوي الهندي الموسمي (Indian Low) يكون اتجاه الرياح فيه معاكسا لاتجاه حركة عقارب الساعة، أي أن اتجاه الرياح في المنخفضات الجوية بوجه عام يكون في حركة لولبية تبدأ من سطح الأرض إلى الأعلى، وعادة ما تصاحب المنخفضات الجوية العواصف والأمطار، وهذا المنخفض هو المحرك الرئيسي للرياح الموسمية Monsoon على معظم قارة آسيا وأوروبا الشرقية، وعند تكون هذا المنخفض الجوي تكون الرياح السائدة فوق حوض البحر الأحمر شمالية إلى شمالية غربية، هذا النمط في اتجاه الرياح يدفع بكميات كبيرة من المياه السطحية لبحر العرب إلى خارج البحر الأحمر الأمر الذي يتسبب في خفض مستوى المياه السطحية للبحر الأحمر بمقدار متر واحد.

في فصل الشتاء تنعكس الصورة تماما، حيث يتحول المنخفض الهندي، إلى ما يعرف بالمرتفع الجوي الهندي Indian High وفيه يكون اتجاه الرياح في اتجاه مشابه لاتجاه حركة عقارب الساعة، أي أن اتجاه الرياح فوق حوض البحر الأحمر سينعكس ليصبح في الاتجاه جنوبي إلى جنوبي غربي، هذا الأمر يتسبب في دفع كميات كبيرة من المياه السطحية إلى داخل البحر الأحمر من كل من خليج عدن وبحر العرب هذا الأمر يتسبب في ارتفاع مستوى المياه السطحية للبحر الأحمر بمقدار المتر الواحد

(لمزيد من التفصيل عن المنخفضات الجوية فوق البحر الأحمر يمكن مراجعة مؤلف سليم مرقص عام 1971 و Frederick Edwards 1987)، بمعنى أن هناك فرقا في منسوب المياه السطحية للبحر الأحمر مقداره متر واحد في فصل الشتاء عنه في فصل الصيف، ولتقدير كمية المياه الداخلة والخارجة من البحر وإلى البحر الأحمر في كل من فصل الشتاء وفصل الصيف، وكما هو معروف فإن طول البحر الأحمر حوالي 2000 كيلو متر ومتوسط عرضه حوالي 200 كيلو متر بمعنى أن المساحة السطحية للبحر الأحمر تبلغ حوالي 400.000 كيلو متر مربع، إذا أردنا تحويل هذه المساحة إلي وحدات المتر فعلينا الضرب في1000×100 أي في مليون وبحسابات رياضية بسيطة يتبين لنا أن كمية حجم المياه الداخل والخارجة من البحر الأحمر تصل إلى حوالي 400.000.00000 متر مكعب (أربعمئة ألف مليون متر مكعب) وهذا يعادل أضعافا مضاعفة من كميات المياه الساقطة المحركة للتوربينات المولدة للطاقة الكهربائية في خزان أسوان!، فتخيلوا كمية الطاقة التي يمكن توليدها من هذه التيارات البحرية الفصلية المندفعة من وإلى البحر الأحمر لو شيدنا مئات التوربينات الكهربائية في منطقة باب المندب!

أليست هذه الطاقة الكهربائية الهائلة التي ستتولد في هذه التوربينات قادرة على إنارة جزيرة العرب؟ أليس من هذه الطاقة الهائلة النظيفة الصديقة للبيئة نستطيع تحليه مياه البحر الأحمر وإقامة المشاريع الزراعية التي تخفف من وطأة القحط في جزيرة العرب؟

أوليس من هذه الزراعة نستطيع أن نقيم الصناعات الغذائية المختلفة التي ستمثل صمام الأمن الغذائي للأجيال القادمة؟

قد يكون هذا حلما، ولكن أليس من حقنا أن نحلم!! وكم من الأحلام تحولت إلى خواطر!! وكم من هذه الخواطر تحولت إلى احتمالات، أوليس من الممكن لهذه الاحتمالات أن تصبح حقائق على أرض الواقع؟، وكما قال الشاعر عزيز أباظة في السد العالي:

كان حلما فخاطرا فاحتمالا... ثم أضحى حقيقة لا خيالا

فهل يعيد التاريخ نفسه، قد أكون مفرطا في الأحلام، ولا بأس في ذلك فالعالم اليوم يبحث في كل الاحتمالات في توفير طاقة نظيفة ورخيصة وصديقة للبيئة، هناك الكثير من الدول الأوروبية الآن، تعتمد على حركة التيارات البحرية والأمواج في توليد الطاقة الكهربائية، فلماذا لا ننخرط في هذا الاتجاه لنثبت للعالم أننا أمة قادرة على الابتكار، وأننا خير أمة أخرجت للناس، كل ما هو مطلوب منا طرح هذا الأمر على الشركات العالمية ذات الخبرة الواسعة في هذا المجال، فقد يكون هناك بصيص من الأمل في تعويض طاقة البترول الناضبة وغير المستدامة.