أبها: عماد عسيري

استفز خبر تم تداوله على نطاق واسع عن ختان طفلة في محافظة محايل عسير كثيرين رأوا فيه حالة فردية غريبة ونادرة الحدوث في مجتمعنا، واستنكره كثيرون لما يترتب عليه من آثار سلبية صحية ونفسية، وما يخلفه من تشوهات ومضاعفات طبية.

وعلى الرغم من الاستهجان الذي صاحب نشر الخبر، فإن تقارير حديثة أشارت إلى أن تقديرات الأمم المتحدة تقول إن 200 مليون فتاة وسيدة على قيد الحياة اليوم خضعن لشكل من أشكال ختان الإناث.

ويمارس ختان الإناث بشكل معتاد في نحو 30 دولة في أفريقيا والشرق الأوسط (علماً بأن 24 منها لديها قوانين أو قرارات تحظر هذه العملية)، كما يُمارس كذلك في بعض الدول في آسيا وأمريكا اللاتينية، وتؤكد الأمم المتحدة أن بعض المهاجرين الذين يعيشون في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا يمارسونه.

ولعل انتشار هذه الممارسة دفع الأمم المتحدة لإقرار يوم عالمي لعدم التسامح مطلقاً إزاء تشويه الأعضاء التناسيلة للإناث، وهو يوافق السادس من فبراير من كل عام، حيث رأت في العملية إضرارا دون أي دواعٍ طبية.

زيادة الوعي

لم تتخلص المملكة على الرغم من زيادة الوعي في الجانبين العلمي والديني فيها من وجود بعض الحالات المتعلقة بهذه الممارسة، وهي حالات نادرة جداً في الوقت الحالي، حيث ما زال البعض يمارسها تحت مبرر زيادة طهارة الأنثى، وحفظ شرفها وإكسابها الحياء.

وفور انتشار خبر طفلة محايل، وجه أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال باتخاذ اللازم حيال الأمر وفقاً لنظام حماية الطفل ولائحته التنفيذية الصادر بالمرسوم الملكي (م/ 14) وتاريخ 3/ 2 / 1436 وضرورة توعية المجتمع بأضرار عادة ختان الإناث في المنزل وتجنبها للحفاظ على الصحة العامة، ولأثرها الذي قد تحدثه على مستوى المضاعفات الصحية والاجتماعية، كما وجه بإبلاغ خطباء الجوامع للتطرق إلى الموضوع وتوجيه الأسر وتوعيتها بالمخاطر الطبية والاجتماعية حيال هذه العادة وتجنبها.

الاتكاء على العادات

يبرر البعض لجوء الأسر للختان البدائي حين يرزقون بطفلة، بأفكار سادت تتحدث عن أن هذه العملية تحفظ للأنثى شرفها، وتكسبها الحياء على الرغم من معرفتهم بمضاعفاتها التي قد تصل إلى النزف أو حتى الوفاة، وكذلك ما تجره من تبعات على الأنثى عند تقدمها في العمر وفي حياتها الزوجية.

وتستند هذه الممارسة التي ترقى إلى مستوى ظاهرة في بعض البلدان إلى خلفيات ثقافية ودينية تزعم أن الختان يبعد المرأة عن الذروة الجنسية المفرطة.

وفي وقت منعت وزارة الصحة إجراء مثل هذه العمليات، ومع تأكيد كثير من الأطباء أنهم لم يتعاملوا مع حالات من هذا النوع، إلا أن عدداً من المستشفيات استقبلت حالات تسببت فيها الممارسة المنزلية لهذه العملية بمضاعفات استدعت التدخل الطبي العاجل نتيجة لخطورتها، حيث يحاول الكادر الطبي إنقاذ الموقف طبياً ومن ثم إحالة الحالة للمساءلة القانونية.

وتمارس نساء طاعنات في السن عادة هذه العملية، حيث يقمن بها في المنازل، ويتم استدعاؤهن لإجراء عملية الختان باستخدام أدوات تقليدية بسيطة، تؤدي أحياناً إلى ما لا تحمد عقباه، خصوصاً مع قلة الاحتياطات الطبية المتخذة خلال إجراء العملية وبعدها.

ولا يرى كثيرون في دول عدة بأساً من إجراء هذه العملية، متكئين على القبول الاجتماعي للأمر، وعلى مفاهيم خاطئة عن الصحة، فضلاً عن اعتبارها وسيلة للحفاظ على العذرية، لكن خبراء الصحة في العالم يرون فيه شكلاً من أشكال العنف ضد المرأة وانتهاكاً لحقوقها الإنسانية، أما في حالة الأطفال فيعتبر الختان انتهاكاً لحقوق الطفل.

تأثيرات عضوية ونفسية

تتناقل وسائل الإعلام كثيراً من القصص عن ختان الإناث في الدول التي تستشري فيها هذه العادة، ففي كينيا، خضعت فتاة في الحادية عشرة من عمرها لهذه العملية، وتعلق قالت لي جدتي إن الختان ضروري لكل فتاة، لأنها تجعلنا طاهرات، لكن كثيرين يرون في هذا الادعاء مبالغة لا ترقى إلى حد تبرير الأضرار التي تنجم عن العملية، حيث تقول الدكتورة منى الصواف يترك الختان آثاراً تشمل التاثير العضوي وأيضا النفسي وقد تحدث المضاعفات إما بعده مباشرة، أو مستقبلاً، وقد ينتج عنه حدوث نزف حاد أو التهابات خطيرة، كما يظهر التأثير النفسي بعد الزواج من ظهور البرود الجنسي لدى المرأة والذي يؤثر سلباً على العلاقة الزوجية.

أقسام

تشير الدكتورة منال القحطاني إلى أن ختان الفتيات ينقسم إلى قسمين، وتقول عادة ما تعمل هذه الممارسة على الإزالة الجزئية أو الكلية للأعضاء التناسلية الأنثوية، وهي تجرى عادة للطفلة وهي في عمر صغير.

وتكمل ينجم عن العملية بشقيها الجزئي أو الكلي أضرار آنية عدة، منها نزيف فور حدوث الختان أو تجمع دموي، ارتفاع في درجات الحرارة، التهاب في الجرح، التهابات في المسالك البولية.

وتتابع أما الأضرار المترتبه على المدى البعيد، فتتمثل في تكرار الالتهابات في المسالك البولية والمهبلية، وتشوه في الأعضاء التناسلية، وضعف في الرغبة الجنسية، وصعوبة في الولادة الطبيعية، مع كل ما تخلفه هذه الأضرار من مشاكل نفسية.

كلمة القانون

توضح المحامية صفاء الشيخ أن ختان الإناث يعد جزء من العادات والتقاليد في بعض الأماكن، وكان يلجأ إليه اعتقاداً بأنه يخفف الإثارة، وبينت أنه ليس هناك نظام ثابت في المملكة بشأن ختان الإناث إلا في حال وقوع الضرر منها، وتقول في مثل هذه الحالة لا بد من إثبات الحالة ووقوع الضرر منها بتقرير طبي، وتقديم دعوى إلى المحكمة الجزائية، حيث يخضع الأمر إلى تقدير القاضي.

وأضافت في حالة الضرر من حق الأم أو الحاضنة للطفلة اللجوء إلى الجهة المختصة، وتقديم ما يثبت الضرر، ويبقى هذا موضوعاً شائكاً، وليس له إجراءات محددة.

وحول ما إن كان من حق هيئة حقوق الإنسان التدخل في مثل هذه الحالات عند العلم بها باعتبارها مصنفة كنوع من أنواع العنف الواقع على الأنثى امرأة كانت أو طفلة، قالت الشيخ ختان البنات جائز إذا كان الأب والأم موافقين على إجرائه، وإذا رأيا فيه منفعة من وجهه نظرهم، وليس ضرراً، وتعد موافقة الأب والأم مانعاً من تدخل الهيئة شرط ألا يترتب ضرر من العملية.

يذكر أن المادة الأولى من نظام حماية الطفل في المملكة تؤكد على حماية الأطفال من كل أشكال الإساءة والإيذاء النفسي، والجسدي، والجنسي، الذي قد يتعرضون له في البيئة المحيطة بهم، وختان الإناث يترتب عليه عدد من الأضرار النفسية، والجسدية، والصحية التي ترافقهنّ طوال الحياة.

محاولة الحصار

تحاول كثير من الدول التي تنتشر فيها هذه الظاهرة الحد منها والتنبيه إلى مخاطرها، وإصدار قوانين تجرم ممارسيها على أمل تقليص انتشارها، ففي مصر مثلاً، وهي إحدى الدول العربية التي ما زالت هذه العمليات تمارس في بعض أريافها، بدا حرص السلطات شديداً على الحد منها، حيث جرّمت هذه العملية عام 2008 وتعزز عام 2016 بمعاقبة مرتكب الختان بعقوبة قد تتجاوز 7 سنوات سجناً، مع تصنيف الختام كعقوبة جنائية.

وفي وقت يتخيل كثيرون أن هذه الممارسة بعيدة تماماً عن دول العالم المتقدمة، إلا أن الواقع يشير إلى أن دولة مثل بريطانيا، تعد الختان غير قانوني، تكثر فيها ممارسته مع الأطفال، حسي يستحيل رصد العملية خصوصاً لمن هم خارج المدارس أو للصغيرات غير القادرات على الإبلاغ عما تعرضن له.

وفي عام 2019، أدينت أم من أصول أغندية في بريطانيا بممارسة الختان، بعد أن أجرت عملية ختان لابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات.

تحذيرات دولية

إضافة لما قدرته الأمم المتحدة من عمليات ختان الإناث، فإن تقديرات اليونيسف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) تشير إلى أن أكثر من 70 مليون فتاة وامرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً تعرضن للختان في 28 بلداً أفريقياً، إضافة إلى اليمن، وهناك 3 ملايين فتاة يواجهن مخاطر الختان كل عام في القارة الأفريقية وحدها.

ووجدت دراسة لمنظمة الصحة العالمية في عام 2006 أن ختان الإناث أيضاً ضار للمواليد وله تأثيرات سلبية على التوليد، مما يؤدى إلى احتمال حدوث 1 - 2 حالة وفاة اضافية لكل 100 مولود.

ويشكل ختان الإناث انتهاكاً أساسياً لحقوق الفتيات ويمثل عادة اجتماعية راسخة. ويعد أحد مظاهر التمييز بين الجنسين. وتقوم الأسر بهذه الممارسات دون وجود نية أساسية للعنف، ولكنه عمل بحكم الواقع عنيف في طبيعته.

ممارسة إلى زوال

تواصلت ممارسة ختان الإناث لأكثر من ألف سنة، لكن الأدلة تبين أن ختان الإناث يمكن أن ينتهي في غضون جيل واحد.

وتسمح الحوارات المجتمعية والبرامج التعليمية عن حقوق الإنسان والقيم الأساسية مع البالغين واليافعين والزعماء الدينيين لأعضاء المجتمع بمناقشة السبل البديلة لفعل ما هو أفضل لبناتهن دون ختانهن.

وفي عدد من البلدان، أدت هذه العملية التشاركية بالمجتمعات المحلية إلى الالتزام العام بالتخلي عن ختان الإناث.

دول ينتشر فيها ختان الإناث

مصر

السودان

الصومال

جيبوتي

نيجيريا

موريتانيا

اليمن

العراق

كينيا

أوغندا

24

دولة من هذه الدول لديها قوانين تحظر العملية

200

مليون سيدة على قيد الحياة تعرضن للختان

70

مليون سيدة أعمارهن بين 15 و45 تعرضن للختان

30

دولة في أفريقيا والشرق الأوسط يمارس فيها الختان

3

ملايين فتاة يواجهن مخاطر الختان كل عام في أفريقيا

1 إلى 2

مولود من أصل 100 معرضون للوفاة من تأثير الختان