جدة: سعود بن عبدالمجيد

بدأت ابتسام لطفي الفن مبكراً، حيث كانت تصدح دائما بصوتها العذب، وسط محبيها ‏وأخوتها، وكان اسم «بسمة» هو الاسم السائد لها في عائلتها وحياتها الخاصة، حيث كانت ‏والدتها دائما ما تناديها به، وكم كانت تناجيها بالكلام وتقول لابنتها الكفيفة، كم تمنيت يا بسمة ‏أن أعطيك عينا من عيني حتى تبصري من حولك.‏

ولكن بسمة كانت وما زالت تشاهد الحياة بنور قلبها وسعة بصيرتها، ‏وتوازن الأمور بسرعة بديهتها، هي التي قال عنها الشاعر طاهر زمخشري، واصفاً ‏سعة بصيرتها: «حينما يقود الأعمى بصيراً».‏

أمنية غريبة

قضت ابتسام لطفي ثلث عمرها بمدينة الطائف، متنقلة بين الأفراح والمناسبات، ‏حتى أنها غنت في الخامسة من عمرها، حينما كانت تستمع إلى سيدة الغناء العربي أم ‏كلثوم، حتى تبلورت وتكونت شخصيتها الفنية في ‏بداياتها.

لدخولها الإذاعة قصة ترويها باختصار: في يوم من الأيام كانت ‏تربطها علاقة حميمة ببنات الملك فيصل، ومن خلالهن تمكنت من مقابلة ‏الملك فيصل - رحمه الله - والسلام عليه، وسألها حينما رآها كفيفة متشبثة ‏في أيدي من معها، ماذا تتمنين يا خيرية؟ فقالت: أمنيتي حاجة وحيدة، فقال لها أتتمنين أرضاً ‏مثلا؟ فقالت لا، إن أمنيتي غريبة بعض الشئ يا والدي، فقال لها الملك فيصل رحمه الله وما ‏هي؟ فقالت أريد أن أكون أول صوت نسائي سعودي، يغني في الإذاعة، فقال لها ‏ماذا؟! قالت أن أغني في الإذاعة. فقال لها بقلب الأب رائفاً بتلك الفتاة الكفيفة دعينا ‏نتدارس الأمر. ولم يمض إلا شهران، وجاء القرار بالموافقه لـ «ابتسام لطفي» بأن تغني كأول ‏صوت نسائي سعودي في الإذاعة. وكانت من أغانيها في تلك الفترة قصيدة عبير، ‏وأغنية نام القمر بدري من كلمات الشاعر الراحل أحمد قنديل وألحان ‏عمر كدرس.‏

ابتسام الزمان

تشير سطور الذاكرة إلى أن اسم ابتسام لطفي، هو الاسم الذي اختير من قِبَل الفنان طلال ‏مداح، حينما انتهت من تسجيل أغنية «بتقولي فات الآوان» من كلمات ‏لطفي زيني وألحان طلال. قال لها طلال ماذا أسميكِ؟ وبعد برهة من تعداد ‏الأسامي استطاع أن يجمع مسبحة الأسماء المتناثرة بقوله «ابتسام»، ابتسام يا خيرية، سوف ‏نسميك «ابتسام» لعله يبتسم لك الزمان، وولد في تلك اللحظة اسمها الجديد «ابتسام لطفي» ‏لتغني بين الإذاعة والأفراح في تلك الفترة بهذا الاسم.

عاشقة الأدب

الإنسان، الأب، الروح، النسمة الحلوة، الكلمة الرقراقة، الجدول المنساب، الإشراقة في حياتي، هذا ما قالته وتقوله دائما «ابتسام لطفي» حينما يتردد على مسامعها ‏اسم الأديب والشاعر الراحل طاهر زمخشري أو «بابا طاهر». كتب لها قصيدة ‏‏«النجوى الهامسة»، لحنتها بنفسها بعد أن تعلمت العزف على العود على يد عبدالرحمن خوندنه، ولم تكتب اسمها في الأسطوانة بل أنزلتها باسم «أبو عماد»، وغنت ‏أيضا للزمخشري قصيدة «روابي تونس»، وقصيدة «جسر الصبر» من ‏ألحان الموسيقار سراج عمر وقصيدة «ابتسامة الصباح» وغيرها من الروائع. وأطلق ‏عليها الزمخشري لقب «عاشقة الأدب»، وقال لها الحكمة التي تعتبرها ابتسام ‏كوكباً درياً يضيء في داخلها «عندما يقود الأعمى بصيراً» فلم تأسف بعدها أبدا على ‏أنها كفيفة أو فاقدة للبصر.‏

لقاء رامي

حينما جاء الشاعر أحمد رامي لأداء فريضة ‏الحج كان في لقائه طاهر زمخشري، وبعد أن انتهى «رامي» من أداء مناسك الحج ‏ألم به الإرهاق، فاستراح بضعة أيام، ولم يسافر، فقال له الزمخشري سوف ‏أعرفك على صوت نسائي سعودي في قمة الجمال، وذهب به إليها، حينها تعرفت عليه من صوته، وقالت له «رامي»؟ ما أدهش رامي، أنها نادت عليه بالاسم المألوف على أسماعه من أم كلثوم، و زادت دهشته أكثر، حينما سمعها تغني، فمدد إقامته في جدة إلى اثنين وتسعين ‏يوماً، وبعد ذلك جاء يوم الوداع. كان رامي يكره الوداع، فقال لابتسام لا توادعيني فأنا ‏حينما أعود إلى مصر سأرسل لك. كان رامي وقتها تجاوز الثمانين من ‏عمره ويعاني صحياً من تقدم السن، فأرسل لها مع طاهر زمخشري رسالة فيها قصيدة بعنوان «وداع»، يقول فيها: «ردك الله سالما لفؤادي وطوى بيننا بساط البعادِ.. كيف يهنى ‏لي المنام وعيني ملؤها في نواك طيف سهادِ».‏

اعتذار السنباطي

احتفظت «ابتسام» بالقصيدة، بعد ذلك جاءتها دعوة من مدير التليفزيون المصري في ذلك الوقت عبدالحميد يونس وذهبت إلى القاهرة. دخل الموسيقار رياض السنباطي - الذي لم يكن مقتنعا بأنه يوجد ‏في السعودية صوت نسائي عذب في الغناء- عليها الاستديو، وبعد أن استمع إليها وهي ‏تغني لحنه في قصيدة «وداع» ربت على كتفها، وقال لها: اعذريني يا ‏بسمة ظلمتك حينما لم أعطِ صوتك اهتماما قبل سماعه، ورفض أن ‏يأخذ أجراً على لحن «قصيدة وداع»، واعتبره هدية لها لتكون ابتسام المطربة ‏السعودية والخليجية الوحيدة، التي تغني من كلمات أحمد رامي وألحان ‏‏رياض السنباطي.‏

شادية العرب

غنت ابتسام لطفي أيضا، قصيدتين من كلمات أحمد رامي الأولى من ألحان أحمد ‏صدقي في قصيدة «لوعة» والأخرى مع محمد الموجي في قصيدة «بُعد الحبيب». كانت ‏‏ابتسام تحقق الانتشار عربياً والنجاح من حفل إلى حفل في حقبة السبعينيات إلى منتصف ‏الثمانينيات الميلادية، لتغني أروع الألحان وأعذب الكلمات وتبني هرماً نسائياً منفرداً ‏ومتميزا، وقال عنها أحمد رامي عام 1970في ‏وثيقة تحتفظ بها ابتسام في خزانتها:«إنك ‏كوكب الجزيرة وشادية العرب، تغني بالدموع قبل الصوت».‏

إذ يميز صوت ابتسام إحساس تفرزه المعاناة، و عبرت عن هذا الإحساس ‏بقصيدة «يا غائبين» ليزيد ابن معاوية التي اختارها «فاروق شوشة» لتغنيها.‏

الاعتزال والابتعاد

بعد توهج كبير لاسم ابتسام لطفي في الاحتفالات الفنية داخل وخارج الوطن، حدت ظروف والدتها الصحية من إنتاجها المتدفق، ليتوقف شيئاً فشيئاً، فبعد أن ‏قدمت عام 1986 أوبريت اليوم الوطني من كلمات محمد هاشم رشيد ولحن أحمد ‏صدقي بدأ إنتاجها الفني يتذبذب، وحضورها في الاحتفالات يقل ويكاد ينعدم، بعد أن ‏غنت أمام الرئيس المصري الأسبق أنور السادات الذي أشاد بصوتها، وغنت في تونس بعد ‏أن كان طاهر زمخشري خلفها لدعمها ومؤازرتها، أمام الرئيس الأسبق الحبيب ‏بورقيبة الذي أهدى لها ثوبا تونسيا تراثيا لغنائها. كل تلك الأمجاد لم ‏تعن لقلبها شيئا، حينما قررت الاعتزال والابتعاد عام 1991،حينما توفيت ‏والدتها، والتي كانت لها العين الناقلة لها كل جميل في الحياة.‏

صمت الدروب

الأثر الطربي الأصيل في صوت ابتسام ‏انتشرت بأحاسيسه أغان كثيرة، منها «نالت على يدها» و «يا سارية يا خبريني» ‏و «ودعتك الله يا مسافر»، ومجموعة من الأعمال العاطفية كأغنية «حبيبي» للشاعر جواد الشيخ من ألحان عبدالرحمن الحمد الذي لحن لها أيضاً أغنية «ينام ‏الليل» كلمات أحمد السعد، و«الله يا قليبه» كلمات فائق ‏عبدالجليل وأغنية «الله لا يحرمني منك» كلمات ناجي الحربي.‏ كما قدمت عدة أغان من كلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن منها رائعتها «ليالي نجد وينك يا ‏ليالي» و «للحد ذا» من ألحان سراج عمر، وأغنية «العيون السود» و «صمت الدروب» ‏والأغنيتان من ألحان مطلق الذيابي بالإضافة لأغنية «ليلة سهر» من ألحان ‏‏محمد الموجي.‏

ألحان عمالقة

مع الملحن «سراج عمر» غنت أغاني كثيرة منها «عساك بخير» كلمات الأمير محمد العبدالله ‏الفيصل و«غض طرفك» كلمات عبدالرحمن حجازي و«يا حبيبي آنستنا» كلمات ‏‏إبراهيم خفاجي وغيرها من الأغاني.‏

وغنت من ألحان عمر كدرس 4 أغاني هي «عبير» و «نام القمر بدري» كلمات «أحمد ‏قنديل» و «لو تسألوني» كلمات «الزمخشري» و «غريب تايه في دنيا الحب» كلمات أحمد صادق.‏ وغنت للملحن سامي إحسان 5 أعمال، ولجميل محمود 3 ألحان.

دوا روح العليل

بالرغم من الغياب والبعاد لأكثر من اثنين وعشرين عاما تقريبا، إلا أن كوكب الجزيرة ‏وشادية العرب وعاشقة الأدب، أطلت من جديد وهي تشعر أنها ما زالت تلك العصفورة ‏الصغيرة، التي تختبئ وراء الأغصان لتبوح بأسرار العشاق في أغانيها، فأعادت تسجيل ‏أغانيها القديمة في إذاعة «صوت الخليج» بقطر 2013. كما غنت بعض أغاني فوزي ‏محسون وطلال مداح، ولم تتوان «الجمعية السعودية للمحافظة على التراث» في انتهاز ‏فرصة إطلالة الكوكب الدري الثمين، حتى تكرمها في حفل نسائي ساهر ‏بالرياض عام 2015، ما دفع الملحن سعود بن عبدالمجيد لينتج لها أغنية جديدة من ‏ألحانه وكلمات «الشاعر المُعنّى» الذي كتب لها قصيدة وكأنه يعاتبها بها على الغياب الطويل ‏قائلا لها:

«ياهلا بك ياهلا بك ما تعودنا غيابك..

يا دوا روح العليل أنت في قلبي نزيل..

‏الحلا في الدنيا سافر واستقر كله في بابك».‏

خيرية قربان عبدالهادي كشاري

- اسم الشهرة ابتسام لطفي

- ولدت في الطائف ‏عام 1951