علي عادي طميحي

لعلكم لاحظتم كيف أن كثيرًا من الأعمال والتصرفات السلبية في المجتمع تتحول مع مرور الأيام والسنين إلى شيء معتاد، وتقل أو تختفي نبرة الاستهجان لها، وذلك بسبب اعتياد الممارسة وإدمان المقارفة، وطبعًا سهولة الوصول وغياب الرقيب.

أعمال اعتدناها فاتصلت وتواصلت حتى تأصلت فباتت واقعًا، وبذلك يسلك المجتمع طريقًا نحو الانحدار في السلوك والتفكير وحتى الأخلاق، الأمر الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه وما نعيشه من تبلد ولا مبالاة ندفع ثمنها حاضرًا، وسيكون ذلك الثمن باهظًا في المستقبل.

سخافات وتفاهات وانحلال أخلاقي لقي رواجًا، بل وتصدر مساحات التفكير ودور العرض، ما كان مستهجنًا صار عاديًا ومواكبًا للعصر، وما كنا نراه تهورًا صار تطورًا، لقد أصبح حتى المعيب موضةً أو موديلًا.

كل ذلك وأكثر يأتينا من تلك العقول التافهة التي تركت العقل والمنطق، وقبل ذلك الدين، وهرولت نحو مفهوم خاطئ للحياة العصرية، وبأفعال بعيدة كل البعد عن الدين والعادات والتقاليد.

انظروا كيف يتم استخدام بعض وسائل الإعلام وبعض برامج التواصل الاجتماعي بسلبية مطلقة وطرق خاطئة حتى إن البعض أصبح يصور طعامه وشرابه ولباسه، بل ويستعرض كل ما يملك حتى وصل الأمر إلى عرض ما يحدث داخل المنزل.

والمصيبة تكمن في أنه لم يعد ذلك الأمر محصورًا على فئة معينة بل زاد وعم، فكبر معه ذلك الهم.. تدنٍ مخيف يصاحبه اهتمام أقل من خفيف أوصلنا إلى ما يزعمون أنه تحضر أو قمة، ولا تسألني هنا عن القدوة، كلا ولا حتى عن الرقيب، أو ذلك الولي الحبيب، فقد بات الجميع في تلك الدروب أسرى ومسيَرين.

هذه الحقيقة التي علينا الاعتراف بها رغم مرارتها، فنحن للأسف لا نملك القدرة على ذلك التغيير المأمول، فهذا زمن تساوت فيه المعايير واختلفت حتى المقادير، لقد أصبح لاعب كرة القدم هو الخيال والعشق والهيام، وأما الممثل أو الممثلة، المغني أو المغنية فقد سيطروا على الحواس، وتمكنوا من الفكر والإحساس فصاروا هم القدوة والمثل الأعلى، وليت الأمر وقف عند ذلك الحد بل زاد وامتد.. موديلات تخدش الحياء، صرخات وموضات وأشياء أخرى، تحول اللباس الساتر إلى مجرد قطعة قماش منحوته على الجسم، سراويل قصيرة وملابس غير جديرة، جلها ليست من دواعي العفة ولا تقع على تلك الضفة، ليس فيها من الإبهار ولا تقدم شيئًا من الاحترام والوقار، لقد صار الرجل يلبس طوقًا في يده وسلسالًا حول عنقه، وأما الرؤوس فتحولت إلى معارض لتلك القصات العجيبة والمخزية التي ما أنزل الله بها من سلطان، كل ذلك من عند أنفسنا أو بفعل فاعل.

الشاهد أنه قد سلمنا بسهولة تحت بنود وذرائع واهية، وتحت تأثير ما يسمى بالسوشيل ميديا والتطور ومواكبة العصر والموضة، لقد وصلنا إلى وضع انقلبت فيه الموازين، وليس من دليلٍ أكبر خلاف نراه ويظهر.

فانظروا كيف اختفت نبرة الاستهجان وتلاشت صنوف الشجب والاستنكار أمام كل ذلك العبث.. انظروا إلى ما يسجله الإعلام في ذلك من حضورٍ سلبي لافت بكل قنواته وأشكاله دعمًا وتعزيزًا منقطع النظير، ولكم أن تعرجوا على هيئة الترفيه ففي أجندتها ما فيها.

اعلموا أنه مهما ظل التقدم والتطور حاضرًا هنا كمتهم رئيسي في هذه القضية، ومهما كان من مبررات الدفاع الواهية بين مواكبة العصر والموضة والتقليد الأعمى وتتبع صرخات الإعلام وصرعات السوشيل ميديا!

في النهاية ستقيد الجريمة ضد مجهول كتبرير للعجز والقصور في تحقيق العدالة وإثبات الأصالة، فهذا زمن انقلبت فيه الموازين واختلط الحابل بالنابل، زمن يشهر ويعرف فيه أرباب السخافات والرذيلة والأفكار الدخيلة.

باختصار.. لقد أصبح طريق السخافة واللقافة والتفاهة أسرع الدروب إلى المنصات وإلى عالم الشهرة تحديدًا.

تنبيه..

الرجاء من الأخوة والأخوات المسافرين على متن هذه الحياة.. إعادة ربط الأحزمة والثبات في مقاعدهم.. لقد صرنا على مقربة من الهبوط.

من يدري ربما..

لذا خذوا حذركم وانتبهوا لمن حولكم.