نجران: قاسم الكستبان

قبل عامين فقط كانت الساحات والمواقف والشوارع أمام المدارس، وحتى المدارس نفسها، ميادين لكثير من المشاكل والاشتباكات المتعددة والعنيفة بل والدامية أحيانا، والتي تحولت مع الوقت إلى قضايا وصلت أروقة المحاكم وطرقت أقسام الشرطة، واستدعت في الغالب تدخل الجهات الأمنية لتفريق المتشابكين فيها، وكذلك الجهات الإسعافية التي كثيرا ما تم استدعاؤها لنقل المصابين الذين وصل بعضهم إلى أقسام العناية الفائقة والمركزة.

ولم تكن الأحداث التي تشهدها المدارس ومحيطها تنتهي عند تلك الحدود، بل كانت أحيانا تتخطاها وتفجر مشاكل بين الأسر وحتى القبائل، وكان بعضها يصل إلى حدود لا تحمد عقباها.

ولكن، ومنذ أن اجتاح فيروس كورونا كل دول العالم، ومع الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي اتخذت على أكثر من مستوى، وكان من بينها اعتماد الدراسة عن بعد، تقلّص حجم تلك المشكلات، بل واختفت تلك الحالات التي تحولت لكثرتها إلى ظاهرة مقيتة، ولم تعد أقسام الشرطة أو المستشفيات تتلقى أطراف مضاربات أو مشاجرات بين طلاب المدارس المراهقين، فلم يعد هناك ذاك الاحتكاك اليومي الجسدي، ولم يعد قابلا للتطور سلبيا ليصير مشاجرة لا تقتصر فقط على طالبين أو ثلاثة، بل غالبا ما كانت تصير مشاجرات جماعية بنتائج وخيمة على الجميع.

وتركت المشاجرات المدرسية آثارا سلبية على الجميع، فهي تهدر الطاقات وتهدد الممتلكات العامة، وتخلق أجواء من الاضطراب في المدرسة، وتؤدي إلى انخفاض مستوى تحصيل الطلاب، وعدم المشاركة الصفيَّة، والغياب المتكرر.

المشاجرات الطلابية

يقول حسين مهدي آل عقيل، وهو من إدارة التوجيه والإرشاد في تعليم نجران إن «المشاجرات الطلابية سواء داخل المدرسة أو خارجها حينما كان الدوام حضورياً، واختفاؤها حاليا بعدما صار التعلم عن بعد أمر منطقي، لقلة احتكاك الطلاب بعضهم ببعض، سواء في الطابور أو أثناء الفسح أو عقب انقضاء اليوم الدراسي، وهي تنعدم بابتعادهم عن بعضهم بعضا الآن، ولكن حتى والعملية التعليمية تسير حضورياً فيجب ألا نغفل أن السبب قد يعود إلى غياب الرقابة وعدم متابعة الطلاب أو التهاون في حل المشكلات البسيطة قبل أن تتفاقم لتصبح مشكلات معقدة، كما أن عدم متابعة الطلاب خلال أوقات الفسحة وغيرها أثناء اليوم الدراسي، إلى جانب تجاهلها للخلافات التي تنشب بينهم، في ضوء أنها من الأمور الدارجة بين الطلاب، ما لم ينجم عن المشاجرة ضرر فادح، وأذى بليغ، وبالتالي تكبر المشكلة ويكون من الصعوبة بمكان حلها، ولذلك من الواجب القيام بالمهام المناطة وتطبيق لائحة السلوك والمواظبة، وتفعيل اللجان وإشراك المنزل والمجتمع المحيط في حل مثل تلك المشاجرات التي قد يأتي بها الطلاب في الأصل من المنزل، ومن مجتمعهم، وتكون المدرسة ـ مكان التجمع ـ لتفريغ مثل تلك التراكمات».

ويؤكد على أن المدرسة قد تكون أحيانا ميدانا ينقل إليه الطلبة المشاكل من بيوتهم ثم ينفجرون من الضغط المتراكم نتيجة لها في زملائهم، ويقول «علينا ألا ننسى غياب الرقيب الأكبر والأساسي وتأثيره في هذه المشاكل، وهو»ولي الأمر«، فبسبب غياب الأب عن المنزل وعن مجالسة أبنائه لكثرة السفر أو ارتباطه الوثيق بالديوانيات أوالتعدد في الزوجات، فإنه يهمل متابعة أبنائه، فيما عليه أن يراقبهم، وأن يحصنهم ضد رفقاء السوء، وأن يبصرهم بنتائج الخوض والتورط في المشاجرات الطلابية، وما قد ينتج عنها من إصابات أو قتل أو دهس لا سمح الله، والأبناء في مرحلة المراهقة يحتاجون إلى التوجيه والمساعدة والرقابة، وأن يغرس فيهم الخلق الحميد والسلوك السليم، والخوف من الله، وألا تكون مشاغل الآباء وتجارتهم أهم من أبنائهم الذين هم عدة المستقبل، وألا يعطي الآباء أبناءهم ثقة مفرطة، خاصة في مراحل المراهقة، لأن الأبناء في هذه المرحلة يفتقرون للتجربة والمعرفة الحياتية، وقد يستغلون الحرية التي تمنح لهم في غير موطنها».

الإيجابيات والسلبيات

يرى المشرف التربوي في تعليم نجران عبدالرحمن آل موته أن «هناك إيجابيات كثيرة نتيجة الدراسة عن بعد، ومن ضمنها وجود الطلاب مع ذويهم وبين أهليهم، وتوفير التكاليف المالية وعلى الأخص تكلفة النقل المدرسي، وكذلك اختفاء المضاربات والمشاجرات والاعتداء الجسدي وقلة الصيانة الت تحتاجها المدارس، كما أن بامكان المعلم ضم أكثر من 70 طالبا في الصف بمنصة مدرستي، وكذلك إتقان الطالب مهارات جديدة تتمثل في استخدام التقنية، ولا ننسى أن بعض أولياء الأمور يشجعون مثل هذا النوع من التعلم والتعليم».

ويضيف «أما فيما يخص السلبيات، فقد اختفت الجوانب التفاعلية والاجتماعية التي تنمي لدى الطالب كيفية التحدث أمام الآخرين، وكذلك التركيز على القراءة وإهمال الكتابة، وقلة مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ، كما أن التعلم عن بعد لا يكشف بصدق مستوى الطالب، ناهيك عن كثرة الغياب بسبب مشاكل الإنترنت، وتذمر بعض أولياء الأمور من منصة مدرستي وتأكيدهم أن الجوالات أبعدت أبناءهم عن الدراسة، وأكسبتهم الإدمان الإلكتروني للألعاب، كما يغيب التشجيع والتحفيز الحقيقي للطلاب إلا بشكل محدود ومعدود، مع انعدام الصداقات وروح الفريق الواحد، فالطالب أحيانا يتعلم من زميله كثيراً من المواقف، إضافة كذلك إلى إهمال كثير من الأنشطة المختلفة بما فيها الرياضة، وهي من أحب المواد لدى الطلاب، وكثرة التلاسن، وتبالد الألبفاط النابية، خصوصا عندما لا يتواجد المعلم، وهو ما يعرف بأنه تنمر إلكتروني».

تحقيق الأهداف

يعتقد مدير ثانوية الفارابي أحمد البلالي أن من النتائج الإيجابية الجيدة للتعليم عن بعد القضاء على المشاجرات الطلابية، ويقول «في ظل النجاح الذي حققه التعليم عن بعد كخيار متكامل في أعقاب جائحة كورونا محققا أهدافه وعددا من الإيجابيات في جوانب منظومة التعليم عن بعد، فإن القضاء على المشاجرات الطلابية، وكل ما يتعلق بها من آثار نفسية قد تلم بالمعتدى عليه كالخجل، وانكساره أمام بقية زملائه لإحساسه بالضعف، والتي قد يؤدي إلى تغيبه وربما انقطاعه عن الذهاب إلى المدرسة، تعد من الإيجابيات والنجاحات أيضا، وبالتالي فإن من أكبر مكاسب التعليم عن بعد تركيز الطالب التام على المنهج الدراسي دون التعرض لأي نوع من المضايقات والمشكلات، سواء كانت لفظية أو جسدية، مما يؤدي ولو بشكل غير مباشر إلى رفع مستوى التحصيل الدراسي، وبهذا تحقق عبر التعليم عن بعد الاستقرار المعرفي والتعليمي واستقرار التوجه السلوكي السليم في آن معاً».

قيمة الوقت

يوضح المرشد الطلابي علي مانع آل عقيل أن التعليم عن بعد قضى على المشاكل والمشاجرات والزحام المروري، وعزز قيمة الوقت، وغرس الرقابة الذاتية والمحاسبة على الانضباط والسلوك.

وقال «أول الإيجابيات التي حققها التعليم عن بعد، وأهمها المساهمة الكبيرة في الحد من انتشار فيروس كورونا، ثم تأتي الإيجابيات الأخرى كالمحافظة على استمرار التعلم وعدم انقطاعه، وفتح المجال لاستكشاف قدرات المجتمع وإثبات وعيه، وما يمتلكه أفراده من إمكانات وإبداع ومواهب توازي الطفرة التكنولوجية وتهيئ الأفراد للمستقبل».

التواعد خارج الفناء

يشدد معلم الرياضيات بمدرسة أبي بن كعب، تركي البكري أن «الدراسة عن بعد كانت سببا رئيسا في التقليل، بل واختفاء المشاكسات والمضاربات بين المراهقين من الطلاب في معظم المناطق والمدارس، وذلك لعدم احتكاكهم مع بعض بعضا، وتواعدهم خارج فناء المدارس عند أي مشاكل بينهم صغرت أم كبرت، كما أن للتعليم عن بعد كثير من الإيجابيات ومنها أنها تُعلم الطالب الشعور بالمسؤولية للحصول على المعلومة والمعرفة، والحفاظ على صحة وسلامة الطلاب، ويسهم في تقليل الهدر من الموارد ويوفر نظام متابعة دقيقة لمستوى تقدم الطلبة من قبل الوالدين، وينمي مهارات الطلاب في التعلم للمستقل والتعلم الذاتي ويكسبهم مهارات شخصية، وينمي مهارات التواصل ويسهل عملية التواصل مع جميع المعنيين بتعلم الطلاب ويخلق منظومة تعليمية متطورة تتماشى مع التقدم المتسارع في العالم، ويضمن إيصال المعلومة للمتعلم بأقصر وقت وأقل جهد وأكبر فائدة، ويجعل الطالب أكثر اهتماماً عند استخدام تقنيات جديدة في التعليم».

مجتمعات الإشكالية

يتفق مهدي آل خضير أحد أولياء أمور الطلبة مع من سبقوه بأن التعليم عن بعد كان له دور إيجابي في متابعة الأسرة لأبنائها وبناتهم طلاب المدارس عن قرب، ومعرفتهم لكل ما لدى أبنائهم الطلاب من واجبات وامتحانات إضافة لطمأنينتهم على أبنائهم في منازلهم وابتعادهم عن مجتمعات الإشكاليات التي تحدث بين الطلاب عند خروجهم من المدارس.

فوائد حققها التعليم عن بعد

ـ منع المشاجرات

ـ جنب الطلاب الاحتكاك

ـ منع الضغوط عن الطلاب

ـ لم يعد الطلاب ينقلون مشاكلهم المنزلية للمدرسة

ـ عزز الرقابة الأسرية على الطلاب

ـ أبقى الطلاب بقرب ذويهم

مميزات عامة للتعليم عن بعد

ـ توفير الوقت وإدارته

ـ أقل كلفة

ـ يطور مهارة البحث والتفكير

ـ يسهل الحصول على المواد الدراسية

ـ يمنح الحرية في العمل

ـ يوفر الأمان الصحي خلال أزمة كورونا

ـ مرونة في اختيار مكان الدراسة

تأثيراته السلبية

ـ قلة التواصل الاجتماعي

ـ قد يؤدي للشعور بالوحدة والإكتئاب

ـ عدم ضمان الجودة التعليمية

ـ يعتمد على ضبط الأشخاص لأنفسهم