مجاهد عبدالمتعالي

قبل النظر في إجابة ولي العهد على استفسارات المديفر خلال برنامجه في رمضان الماضي، لا بد أن نستعيد خبرًا في الصحافة السعودية قبل بضع سنوات عن مواطنات سعوديات: (وفاء اليحيى عملت أستاذة في قسم أصول الفقه بجامعة الملك سعود، خرجت مع أبنائها الثلاثة متسللة عبر الحدود السعودية اليمنية ثم انتقلت من اليمن إلى العراق عن طريق سورية، هيلة القصير قادت 60 إرهابيا للقيام بعمليات تخريبية.. إلخ، وفاء الشهري الملقبة بأم هاجر زوجة نائب زعيم تنظيم القاعدة في اليمن... إلخ، مي الطلق وأمينة الراشد، ندى القحطاني «أخت جليبيب» الملقبة بأم سيف الله بايعت البغدادي عام 2013، وهي أول من أعلنت قيادتها للسيارة في مناطق الصراع بهدف توفير نفقات التنقل، مطلقة ساجر وهي معلمة تجاوزت الأربعين من العمر هربت إلى مناطق الصراع برفقة ثلاثة من أبنائها، ريما الجريش هربت إلى اليمن عام 2014م وقالت مصادر إعلامية أنها موجودة برفقة ابنها في سورية.. إلخ، أروى بغدادي تخلفت عن حضور جلسات خصصتها لها المحكمة الجزائية المتخصصة وتواجه تهمًا لتورطها مع القاعدة وخلايا الفئة الضالة بعد مقتل شقيقها محمد في ديسمبر 2010 بوادي الدواسر) نقلًا عن تقرير بجريدة «الوطن» عام 2015م بعنوان (تجنيد السعوديات بالإغراق الفكري).

هذه النقولات أعلاه لنرى الدولة (قبل وبعد) وكيف نقلها ولي العهد من معاناة جروح التطرف الذي وصل إلى داخل منازلنا واختطف نساءنا وأطفالنا، وصولًا إلى سباقنا مع التنمية رجالًا ونساء، مؤكدًا في إجاباته أن الاعتدال مفهوم واسع لكن معناه بصفته وليًا للعهد: (التزم بدستور المملكة العربية السعودية الذي هو القرآن والسنة ونظامها الأساسي للحكم وتطبيقه على أكمل وجه بمفهوم واسع يشمل الجميع)، وهذا الضابط العميق لمسألة التطبيق بأنه (على أكمل وجه بمفهوم واسع يشمل الجميع) يتضح أكثر فيما استرسل به ولي العهد عن معنى التطبيق في الشأن الاجتماعي/الشخصي في حدود (تطبيق النصوص المنصوص عليها في القرآن بشكل واضح.. فلا عقوبة على شأن ديني إلا بنص واضح وبناء على ما طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم) وفي هذا فرز حاد وواضح وجذري ما بين تطبيقات من أرسله الله (رحمة للعالمين) وتطبيقات الجماعات المتطرفة كالقاعدة وداعش، والتزام القيادة السعودية بتطبيق النصوص وفق رسالة النبوة بصفتها (رحمة للعالمين)، بخلاف التطبيق المتطرف الذي يحتطب الأدلة احتطابًا ليشعل الحرائق ويسفك الدماء، أما إجابة ولي العهد عن (الموقف من المدارس الفقهية وعلمائها) بقوله: (متى ألزمنا أنفسنا بمدرسة معينة.. بعالِم معين فمعناتها أننا ألهنا البشر.. والاجتهاد مستمر)، ففيها تأكيد على ثنائية (نقاء العقيدة مع روح التجديد). أما دعوى (القلق على الهوية/الممانعة/الخوف على الهوية.. إلخ) فكان رد ولي العهد ساميًا بسمو (الهوية السعودية) في امتداداتها التاريخية وتنوعاتها الجغرافية، بل في عبارته فضح وتعرية لبعض من يعيش (قلق الهوية) لأن الهوية عند بعض القلقين والخائفين (هوية ضيقة مريضة منغلقة) وتوصف بالمرض والضيق والانغلاق لأنها عاجزة أصلًا عن استيعاب المختلفين عنها عرقيًا أو مذهبيًا داخل وطنها، فكيف بخارج الوطن، فهويتها لا تتجاوز إحدى دلالتين تتميز بالطفيلية والانتهازية، فالأولى (هوية سرورية إخوانية) والثانية (هوية مناطقية/قبلية) فالأولى تريد السيطرة على (روح الدولة) أو تمزيقها بصراعات طائفية حزبية، بينما الثانية تريد السيطرة على (جسد الدولة) والاستئثار بناتج ثروات البلد لنفسها وأبنائها، وكل هذه المعاني (المريضة المنغلقة) للهوية تحيل الأوطان مجاميع مافيوزية لدولة خيرها وافر، لكن السحق الطائفي والعرقي والطبقي فيها عميق ومتجذر، مرة بدعوى دينية (إخوانية سرورية) ومرة بدعوى عصبية (مناطقية قبلية) ولهذا لم يلتفت ولي العهد لهذه المفاهيم (المريضة المنغلقة) للهوية، فقد ساقها -رغم أنفها- إلى مرجل التطهير، فما يخفى على هيئة مكافحة الفساد، لن يخفى على رئاسة أمن الدولة، ولهذا فقد اتجه ولي العهد مباشرة إلى المعنى السياسي الرفيع للهوية بصفتها (هوية دولة وشعب بين دول العالم وشعوبه)، فقال: «إذا هويتك لن تستطيع أن تصمد مع التنوع الكبير العالمي فمعناها هويتك ضعيفة ويجب أن تستغني عنها، وإذا هويتك قوية وأصيلة فتستطيع أن تنميها وتطورها» وهنا يتجلى الهدف في أن تكون هذه الهوية ضمن تشكيلات العالم الإيجابية، وكل هذا يؤكد على هدف بعيد عميق في الدولة الحديثة وهو مفهوم (المواطنة) فلا تمييز عرقي أو مذهبي أو طبقي أمام (سيادة القانون) القادر على التفاعل مع العالم، والمستمد من دستورنا الروحي الأبدي (القرآن الكريم).

وأخيرًا، حاول الإخوان المسلمون والسرورية إلباس المواطن السعودي جُبَّة الراهب المنغلق على نفسه الكاره للعالم والمكروه في كل العالم، وولي العهد قام بخلع هذه الجبة الكاذبة فلا رهبانية في الإسلام، وأعاد تذكير المواطن السعودي بقدرات آبائه وأجداده في الانفتاح التجاري بعزيمة وإصرار، رغم إمكانيات متواضعة لا تتجاوز تجارة قوافل الإبل وصولًا إلى بلاد الشام أو اليمن، أو من خلال السفن الصغيرة على شطآن الخليج والبحر الأحمر وصولًا إلى الهند أو مصر والسودان. وولي العهد في ختام لقائه يستنهض كل سعودي من أحفاد هؤلاء الرجال الأحرار ليكونوا بحجم الطموح السعودي في الانفتاح التجاري مع كل العالم ولهذا قال: «أعظم شيء تملكه السعودية للنجاح: المواطن السعودي».