الحديث عن (الجديد) هنا، يبدو للوهلة الخاطفة اعتداداً بالنفس نبيحه لأنفسنا بدون حق! ولكننا نتحدث عن مجلة فريدة في إخلاصها للمسؤولية والهدف.. لا تخص فئة.. بل تخص قضية، والقضية قضيتنا جميعاً، والإسراف في تجاهل قيمتها لا يثمر إلا التفريط بقضيتنا الأدبية، وجعلها عرضة لسياسة صرف النظر والإثارة والتحريض الجنسي، المتحررة من مطالبنا وهمومنا والملتزمة بتحريرنا منها!.
وصحيح أيضاً أن النظر المتهافت إلى الماضي علامة من علامات الشيخوخة، حيث يتحول المستقبل إلى ماض حين تعجز خطى الحاضر عن المسير، ولكن نظرة الشباب إلى الخلف لإجراء الحساب وتحري الخبرة للدفع نحو المستقبل تقوية للخطوة المندفعة إلى الأمام. وعلى هذا الضوء نلتفت إلى ماضي (الجديد) الذي لا يزال الحاضر يسير على تراثه الباقي نحو المستقبل الأجمل. لأن في ماضينا ما يحرضنا على المثابرة ودفع ثمن حمل الراية الشريفة.
ليس سراً أن الأزمة التي تصارع (الجديد) دائماً هي الأزمة الاقتصادية.. وأزمة الثقافة العربية التقدمية التي تتصدى لها قوى سوداء أو في لون لا يقترب إلا من السواد.. أزمة كل شعب مظلوم في وطنه يقاوم بالكلمة. ولكن عصوراً وقوى أكثر سواداً في التاريخ البشري حاولت أن تطفئ الكلمة فاشتعلت الكلمة ملأت الدنيا، ولا تسأل عن الرماد!
من الإثم، إذن، أن نطوي العدة أمام هذه الأزمات.. لأن المسؤولية الملقاة على عاتقنا تتجاوز حدودنا. إن قضية أدب المأساة المطروحة على بساط البحث الأدبي في العالم العربي تهمنا أكثر من غيرنا لأننا أبناؤها أولاً، ولأننا نعيش في مركزها ثانياً ونعانيها مباشرة، وهذه الحقيقة جعلتنا محط الأنظار. فلا يمكن، في رأي كثيرين من النقاد، أن يعالج أدب النكبة معالجة صحيحة وشاملة بدون أن يؤخذ أدبنا بالحسبان! وهذا هو السبب للاهتمام المتزايد، في المدة الأخيرة، بأدبنا في أنحاء العالم العربي وغيره. وهذا يشير إلى أن صرخاتنا لا تضيع في واد.
وبالطبع، حين نتحدث عن أدبنا فإننا نتحدث مباشرة عن (الجديد) أعلى منبر في بلادنا لهذا الأدب.. وأبرز عنوان له. هل من السهل أن نتجاهل هذه المسؤولية الكبيرة؟ إن الضمير الأدبي يديننا أشد الإدانة لو تنازلنا عن هذا السلاح الحاد.
لا حاجة بنا، الآن، إلى العودة مرة أخرى، إلى تسجيل الدور الذي تؤديه (الجديد) في حياتنا الثقافية، وإلى الأهداف التي تسعى إليها، وتجند كتابنا لها. إن ما يُكتب في (الجديد) أو طابعه العام، يعكس هذا الدور والهدف ويؤكدهما في كل مرة. ولكننا، هنا، نحب أن نؤكد أن معركتنا من أجل الحقوق والديمقراطية وتقرير المصير والسلام تقوى وتعجّل إعطاء الثمار إذا قوينا شخصيتنا الثقافية وأبرزنا لأبناء شعبنا مكانهم في التاريخ البشري، فجوهر الثقافة الإنسانية وميراثها الباقي هو رفض الظلم.. وتجميل حياة الإنسان وسيطرته على الطبيعة والظروف وبناء الغد الجميل. ولهذا، من الصعب اضطهاد شعب مثقف!.
وعلينا مسؤولية أخرى، مسؤولية التفاعل مع الثقافات الإنسانية، مع ثقافات أبناء شعبنا العربي في وطنه الكبير، ومع الثقافة الإنسانية الشاملة في أنحاء العالم. لن نكون معزولين، فكرياً عن العالم الرحب، ولن يُشوه الميراث الثقافي الذي قدّمه الفكر العربي خلال عصور طويلة للعالم، ولن يُربى جيلنا الطالع على العدمية. هذا دورنا. وهذا هدفنا.
الحديث عن الحي يأخذ، عادة، وحيه من مناسبة أو ذكرى. وقد اعتدنا في مجلة (الجديد) أن نطيع مناسبة الذكرى السنوية ونتحدث عن قضايا مجلتنا ومتطلباتها، ونجري مع أنفسنا ومع القراء حساباً مكشوفاً نخرج منه دائماً مدينين للقراء، ملقين على أنفسنا مسؤولية التعهد بإيفاء هذا الدين.. لنبقى دائماً في موضع الثقة الدافئة منهم، لأن استمرار مجلتنا بدون هذه الثقة العزيزة لا مبرر له إلا المكابرة الحمقاء!.
والآن، كما ترون، نكشف أوراقنا بصراحة.. في موعد متأخر وفي مكان آخر.
ويؤسفني أو بكلمة أدق يحزنني أن هذا الحديث كان صراعاً قاسياً بين النعي والبشرى. كاد يكون هذا المقال إعلانا بنهاية.. سبقتها علامات غياب طويل دام بضعة شهور، ولكن إصرارنا على تطويع الصعب جعل البشرى آخر كلمة في حوارنا مع الظروف.
ولهذا، أطمئن أصدقاءنا الكثيرين الذين واجهونا بأسئلة تحمل من القلق بقدر ما تحمل من الثقة، بأن (الجديد) ستعود إليهم سليمة معافاة كالكلمة المؤمنة التي تعاني العذاب ولكنها تنتصر في النهاية.
أعرف، أن المطلوب هو الكتابة في (الجديد) وليس الكتابة عن (الجديد) ولكن الغيبة التي عذبتنا شهوراً جعلتنا نلتفت إلى الوراء.. إلى تاريخ (الجديد) الذي هو حقاً تاريخ أدبنا العربي في وطننا وسجل شعبنا الثقافي، وقصة صراعه مع النسيان والتجهيل واقتلاع الجذور والذوبان في الدوامة.
ومن الإثم أن نضع الآن نقطة وراء هذا التاريخ الذي لم يتجاوز مرحلة الغضب، لأن وضع هذه النقطة ضرب من السفه.
وبعد، قال شاعر إسبانيا لوركا: (إن شعباً بدون مسرح هو شعب ميت). وكم بالحري شعب بدون مجلة أدبية!.
نحن على ثقة بأن شعبنا الباقي في وطنه لن يموت.. وكلمة شعبنا لن تموت..مدوناً يا أصدقاءنا القراء والكتّاب، بالمال والحروف كي تكبر الكلمة..كي تعلو..كي تنتصر!
1966*
* شاعر وكاتب فلسطيني 1941 - 2008
وصحيح أيضاً أن النظر المتهافت إلى الماضي علامة من علامات الشيخوخة، حيث يتحول المستقبل إلى ماض حين تعجز خطى الحاضر عن المسير، ولكن نظرة الشباب إلى الخلف لإجراء الحساب وتحري الخبرة للدفع نحو المستقبل تقوية للخطوة المندفعة إلى الأمام. وعلى هذا الضوء نلتفت إلى ماضي (الجديد) الذي لا يزال الحاضر يسير على تراثه الباقي نحو المستقبل الأجمل. لأن في ماضينا ما يحرضنا على المثابرة ودفع ثمن حمل الراية الشريفة.
ليس سراً أن الأزمة التي تصارع (الجديد) دائماً هي الأزمة الاقتصادية.. وأزمة الثقافة العربية التقدمية التي تتصدى لها قوى سوداء أو في لون لا يقترب إلا من السواد.. أزمة كل شعب مظلوم في وطنه يقاوم بالكلمة. ولكن عصوراً وقوى أكثر سواداً في التاريخ البشري حاولت أن تطفئ الكلمة فاشتعلت الكلمة ملأت الدنيا، ولا تسأل عن الرماد!
من الإثم، إذن، أن نطوي العدة أمام هذه الأزمات.. لأن المسؤولية الملقاة على عاتقنا تتجاوز حدودنا. إن قضية أدب المأساة المطروحة على بساط البحث الأدبي في العالم العربي تهمنا أكثر من غيرنا لأننا أبناؤها أولاً، ولأننا نعيش في مركزها ثانياً ونعانيها مباشرة، وهذه الحقيقة جعلتنا محط الأنظار. فلا يمكن، في رأي كثيرين من النقاد، أن يعالج أدب النكبة معالجة صحيحة وشاملة بدون أن يؤخذ أدبنا بالحسبان! وهذا هو السبب للاهتمام المتزايد، في المدة الأخيرة، بأدبنا في أنحاء العالم العربي وغيره. وهذا يشير إلى أن صرخاتنا لا تضيع في واد.
وبالطبع، حين نتحدث عن أدبنا فإننا نتحدث مباشرة عن (الجديد) أعلى منبر في بلادنا لهذا الأدب.. وأبرز عنوان له. هل من السهل أن نتجاهل هذه المسؤولية الكبيرة؟ إن الضمير الأدبي يديننا أشد الإدانة لو تنازلنا عن هذا السلاح الحاد.
لا حاجة بنا، الآن، إلى العودة مرة أخرى، إلى تسجيل الدور الذي تؤديه (الجديد) في حياتنا الثقافية، وإلى الأهداف التي تسعى إليها، وتجند كتابنا لها. إن ما يُكتب في (الجديد) أو طابعه العام، يعكس هذا الدور والهدف ويؤكدهما في كل مرة. ولكننا، هنا، نحب أن نؤكد أن معركتنا من أجل الحقوق والديمقراطية وتقرير المصير والسلام تقوى وتعجّل إعطاء الثمار إذا قوينا شخصيتنا الثقافية وأبرزنا لأبناء شعبنا مكانهم في التاريخ البشري، فجوهر الثقافة الإنسانية وميراثها الباقي هو رفض الظلم.. وتجميل حياة الإنسان وسيطرته على الطبيعة والظروف وبناء الغد الجميل. ولهذا، من الصعب اضطهاد شعب مثقف!.
وعلينا مسؤولية أخرى، مسؤولية التفاعل مع الثقافات الإنسانية، مع ثقافات أبناء شعبنا العربي في وطنه الكبير، ومع الثقافة الإنسانية الشاملة في أنحاء العالم. لن نكون معزولين، فكرياً عن العالم الرحب، ولن يُشوه الميراث الثقافي الذي قدّمه الفكر العربي خلال عصور طويلة للعالم، ولن يُربى جيلنا الطالع على العدمية. هذا دورنا. وهذا هدفنا.
الحديث عن الحي يأخذ، عادة، وحيه من مناسبة أو ذكرى. وقد اعتدنا في مجلة (الجديد) أن نطيع مناسبة الذكرى السنوية ونتحدث عن قضايا مجلتنا ومتطلباتها، ونجري مع أنفسنا ومع القراء حساباً مكشوفاً نخرج منه دائماً مدينين للقراء، ملقين على أنفسنا مسؤولية التعهد بإيفاء هذا الدين.. لنبقى دائماً في موضع الثقة الدافئة منهم، لأن استمرار مجلتنا بدون هذه الثقة العزيزة لا مبرر له إلا المكابرة الحمقاء!.
والآن، كما ترون، نكشف أوراقنا بصراحة.. في موعد متأخر وفي مكان آخر.
ويؤسفني أو بكلمة أدق يحزنني أن هذا الحديث كان صراعاً قاسياً بين النعي والبشرى. كاد يكون هذا المقال إعلانا بنهاية.. سبقتها علامات غياب طويل دام بضعة شهور، ولكن إصرارنا على تطويع الصعب جعل البشرى آخر كلمة في حوارنا مع الظروف.
ولهذا، أطمئن أصدقاءنا الكثيرين الذين واجهونا بأسئلة تحمل من القلق بقدر ما تحمل من الثقة، بأن (الجديد) ستعود إليهم سليمة معافاة كالكلمة المؤمنة التي تعاني العذاب ولكنها تنتصر في النهاية.
أعرف، أن المطلوب هو الكتابة في (الجديد) وليس الكتابة عن (الجديد) ولكن الغيبة التي عذبتنا شهوراً جعلتنا نلتفت إلى الوراء.. إلى تاريخ (الجديد) الذي هو حقاً تاريخ أدبنا العربي في وطننا وسجل شعبنا الثقافي، وقصة صراعه مع النسيان والتجهيل واقتلاع الجذور والذوبان في الدوامة.
ومن الإثم أن نضع الآن نقطة وراء هذا التاريخ الذي لم يتجاوز مرحلة الغضب، لأن وضع هذه النقطة ضرب من السفه.
وبعد، قال شاعر إسبانيا لوركا: (إن شعباً بدون مسرح هو شعب ميت). وكم بالحري شعب بدون مجلة أدبية!.
نحن على ثقة بأن شعبنا الباقي في وطنه لن يموت.. وكلمة شعبنا لن تموت..مدوناً يا أصدقاءنا القراء والكتّاب، بالمال والحروف كي تكبر الكلمة..كي تعلو..كي تنتصر!
1966*
* شاعر وكاتب فلسطيني 1941 - 2008