فيصل المسعري

قبل فترة كنت لمدة يومين في مدينة القريات الواقعة على الحدود الشمالية بجانب منفذ الحديثة. وللأمانة تجولت في أرجاء تلك المدينة الصغيرة، فوجدتها جميلة ورائعة وفيها عبق لتاريخ يمتد لقرون من الزمن.

تجولت حتى وصلت إلى قرية كاف التاريخية، وجدت أن كل ما في القرية يرجعك لسنوات طويلة في أعماق التاريخ، لا من ناحية قلعتها الضخمة المركوزة على رأس الجبل الضخم، ولا من ناحية قصرها التاريخي الكبير، ولا من ناحية بيوتها الطينية المتهدمة، ولا كذلك من ناحية عينها الكبريتية التي تسيل في الجوار.

وصلت للقرية والإهمال بادٍ عليها من الأنحاء كافة، حيث الأسوار المغلقة، وبقايا المجالس والغرف الطينية، وانقطاع الإسفلت الموصل إلى العين الكبريتية، وعدم وجود أي إنسان حولك يحدثك عن هوية المكان أو تاريخه. حتى اللوحات الإرشادية لا تكاد تذكر. وأنا أتجول في المكان جاء في خاطري كيف أننا على بعد ثلاثين كيلو مترا من الأردن التي تضج بالعديد من السواح القادمين من أرجاء العالم كافة لمشاهدة الآثار التاريخية، وكيف أنه إلى اليوم لم يتم إيجاد طريقة تضمن تدفق أولئك السياح على هذا المكان الضارب بالقدم.

أعتقد أن على وزارة الثقافة أو وزارة السياحة التحرك إلى هذا المكان التاريخي، وأن تعملا على تطويره مثل ما تم تطوير منطقة جدة القديمة، ومن ثم، بالتأكيد يمكن عمل اتفاقية مع الجانب الأردني لجلب أولئك السياح إلى مدينة القريات والمدن المحيطة بها.

وصول السياح وخصوصاً الأوروبيين إلى تلك المنطقة سوف يفتح بابا ضخما من الاستثمارات في مدن الشمال السعودي، وخاصة مواقعها الأثرية المتناثرة هناك، وسوف ينشّط من التجارة السياحية، وبالتأكيد سينعكس هذا الأمر على المواطنين في تلك المناطق.

في ظني أن الأمر ليس بتلك الصعوبة وتلك الضخامة، فقط يحتاج إلى دراسة متأنية للمنطقة، ومن ثم تحويلها إلى برنامج عمل يمكن تطبيقه على مراحل في السنوات القادمة، ولتكن القريات ومدينة كاف خصوصاً هي نقطة الانطلاق نحو هذا البرنامج الضخم، وليكن أيضاً العمل مشتركاً ما بين الوزارتين في تطوير تلك المنطقة المهملة من عدة جوانب، والسياحة من بينها على كل حال.

بالمناسبة، البلديات وأمانات المناطق لا يمكن لهما تنفيذ عمليات تطويرية ضخمة، البلديات تعمل فقط بالأعمال المساندة، ولذا يتوجب على بلدية مدينة القريات سرعة التخلص من هذا الموقع الذي هو في الواقع أكبر من إمكانياتها.