فهيد هذال الرشيدي

كثيرون الذين يمتلكون مواهب متنوعة صوتا أو كتابة في أي مجال من المجالات، لكن أحيانا لا تخدمهم الظروف في الوصول المناسب لأسباب وعوائق كثيرة، فتندفن تلك المواهب، ويمضون هم في طريق الحياة من غيرها.

فكوكب الشرق وسيدة الغناء العربي أم كلثوم كانت فلاحة عادية من قرية طماي الزهايرة، ولو لم تجد من اكتشفها من ذوي الذوق وقدمها للناس وشجعها لكانت من ضمن نساء القرية ولما سمعنا ذلك الصوت الذي لا يزال يطرب الكثيرين حتى اليوم.

وفي قصة جميلة وشيقة جدا نشرها سفير مصري في أحد الملاحق الثقافية للطفل في أحد الصحف قبل سنوات يقول:

احتجت وعائلتي لشغالة فجاءت حماتي لي بشغالة أفريقية من أحد الغيطان صغيرة في السن، فكانت إلى جانب عملها حريصة على أن تتعلم القراءة والكتابة مع بناتي كلما سنحت لها الفرصة، وكانت سريعة التعلم بشكل مبهر، وحتى على مستوى عملها كانت موهوبة جدا، وكثيرا من الأشياء التي تتعطل وتتخرب من مكونات المنزل هي من يقوم بإصلاحها كالثلاجة مثلاً، أو الأفياش أو بعض الأشياء التي تحتاج متخصص.

ومع الأيام صرت أفقد بعض الكتب من مكتبتي وكتب من العيار الثقيل للعقاد أو طه حسين، فلما سألتها وجدتهن عندها، فتخبرني أنها تقضي الوقت الباقي لها بالقراءة ثم تعيدهن للمكتبة، وفي يوم تقدم لخطبتها شخص من أقاربها لكنها رفضت فكرة الزواج واستمرت معنا، وفيما بعد سمحنا لها بمواصلة الدراسة وتنقلت معانا في عدد من الدول التي عملت بها سفيراً لمصر طيلة سنوات، ثم بدأت بتعلم اللغة الإنجليزية، ولما عدنا إلى مصر بقيت هي هناك، وكان تواصلنا عبر الرسائل لتطمئنا على أخر أخبارها، فكانت تحرز تقدماَ مذهلا في اللغة الإنجليزية، المهم ذكر السفير أنها واصلة دراستها حتى المراحل العلياء ثم مع الزمن وبوقت قياسي وصلت إلى مديرة لمعهد عال مرموق، وتزوجت من شخصية موازية لها ثم زارتهم مع الأيام في مصر!

فكم من أمثال أم كلثوم ومن أمثال هذه الشغالة العصامية والمحبة للعلم والعمل والتعلم والمثابرة لم تخدمهم الظروف وساروا في طريق آخر.