الرياض: سارة الجهني

استحوذت مواقع التواصل الاجتماعي على مساحات مهمة في حياتنا اليومية، اعتمادا على قدرتها على منح مستخدميها فرص الإطلاع السريع على آخر الأحداث على المستوى الشخصى أو العام، كما فرضت نمطا جديدا للغة الحوار وردود الفعل، سواء بالجمل البسيطة والمشاركات (مينشن) أو بـ(الإيموشينات) وهي تلك الوجوه المعبرة عن الحالة.

وفرضت تلك المواقع لغة جديدة أصبحت تعطي دلالاتها، حيث يتداولها مستخدموها بضغطات: «إعادة التغريدة»، «مفضلة»، «مشاركة»، وبالتعليق والمشاهدة وغيرها، بحسب طبيعة كل موقع، ولهذه الدلالات اللغوية أهميتها لدى مستخدمي المواقع، اعتقادا بأنها تمثل نجاحا للمحتوى أو الشخصية.

ولا يشكل الإعجاب الفردي بالمحتوى أهمية كبيرة في الشبكات الاجتماعية، بقدر ما يشكله تراكم وتضخم أعداد الإعجابات، ولهذا يسعى كثيرون إلى جمع عدد أكبر من هذه الإعجابات، حيث لا يترددون عن إرسال روابط التغريدات أو المنشور الذي كتبوه عبر تعميمه على الأصدقاء والمقربين، كوسيلة ضغط وديّة لطلب التفاعل بالإعجاب أو التعليق أو المشاركة، وترقب عدد «الإعجابات» التي يصل إليها المحتوى سواء كان مادة ثقافية أو اجتماعية أو فنية أو ترفيهية.

ويتجاوز الأمر أحيانا مسألة الضغط الودي، ويصل الحال إلى مرحلة بيع حسابات وهمية، تزيد أعداد المتابعين لحساب ما، وعلى الأخص حسابات بعض المشاهير في منصات مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي منطعف لافت، دخلت مواقع التواصل إلى سوق الإعلانات وبدأت منافسة وسائل الإعلانات المعروفة، وبرغم علم كثير من المستخدمين أن مضامين كثيرة لا تستحق أن تكون «ترند»، إلا أن أصحاب تلك المنشورات التي تصل إلى «الترند» يعدونها مدعاة للتفاخر والتنافس بين الناشطين على تلك المواقع، ولن نستطيع كمتابعين بعد اليوم أن نميز استحقاق نجاح ذلك المضمون المنشور من غيره إلا بالعقل والمنطق، لما يحدث من تدليس وخلط بين التفاعل الحقيقي والتفاعل الوهمي!.

تفاعل مصطنع

يحلل الدكتور إياد لطفي العابد، استشاري الطب النفسي هذه الحالة لدى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في حديثه لـ«الوطن»، ويقول «يعود سلوك الأشخاص الذين يلجأون إلى استغلال العلاقة الودية بينهم وبين الآخرين، للحصول على أكبر عدد ممكن من الإعجابات والتعليقات، إلى مستوى الثقة بالنفس، فهناك من تكون ثقته عالية، وإحساسه بالعظمة أعلى، فهو يحاول إحاطة ما يقدمه من مواد بعدد جيد من الإعجابات والتفاعل، لإشباع نفسه بشعور العظمة والزهو والنشوة، ومنهم من يعود سلوكهم هذا إلى المنافسة والمباهاة، فنجدهم يشترون هذا التفاعل بمقابل مادي، مثل المطرب الذي يقدم أغنية فيلاحظ أن للأغنية 2 مليون مشاهدة خلال يوم، في حين ينافسه المطرب الآخر بتحقيق 3 ملايين مشاهدة خلال ساعات».

ويضيف «تبدو خطورة هذا الأمر حين نجد بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من يتحكم في هذا العدد أو كمية التفاعل بمزاجه، فحين يطرح منشور أو تغريدة ولا تتراكم عليها الإعجابات أو التعليقات يدخل في حال مزاجية سيئة، ولا يتجاوز الأمر مستوى الثقة بالنفس لدى مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي وحاجته إلى إشباع عظمته من خلال التباهي بهذا التفاعل، حتى وإن كان تفاعلاً مصطنعاً».

لا بد من الإشارة إلى أن القائمين على شبكات التواصل الاجتماعي تنبهوا إلى الجوانب السلبية لمسألة تجميع الإعجابات تلك، والسلوكيّات الخطرة التي يقوم بها بعضهم، سعياً إلى الحصول عليها، وهم بصدد إجراء تجارب للتخلص من عداداتها الملحقة بكل منشور، في حين أضاف «فيسبوك» خدمة اختيارية يمكن من خلالها إخفاء العدادات الظاهرة أمام المستخدم على صفحته.

حسابات للبيع

عن أهداف أصحاب مواقع التواصل من الحصول على خدمات بيع المتابعين وعدد الإعجابات يقول عبدالله الحاتمي، المختص في بيع المتابعين وزيادة عدد الإعجابات في مواقع التواصل الاجتماعي «عندما يفتتح المستخدم صفحته الشخصية في أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، فهو في حاجة إلى الدعم لكي يصل إلى الناس، وليوصل محتواه إليهم في أقصر وقت ممكن، ودافعهم من ذلك حب الظهور والشهرة، وازداد الإقبال على طلب المتابعين مع انتشار الإعلانات والاستفادة المالية منها، حتى أصبح كثير من الناس يطمح إلى تكوين عدد كبير من المتابعين للحصول على الإعلانات من قبل الشركات، باعتبارها طريقة التسويق الأحدث والأسرع».

ويشير إلى أنواع الخدمات التي يقدمها والأغلى سعرا بينها، فيقول: «نقدم جميع أنواع الدعم، سواء زيادة عدد المتابعين، أو بيع الحسابات والتفاعل، سواء بإعادة التغريد أو بالإعجاب والتعليق أو المشاركة، وتتفاوت الأسعار، فزيادة عدد المتابعين سعر كل 10 آلاف متابع بـ100 ريال، أما بيع الحسابات الجاهزة بمتابعيها فيرتفع سعرها، بحسب الثمن المطلوب من المستخدم المتنازل عنها، وبالنسبة إلى التفاعل فيكون عبر اشتراك شهري سعره 500 ريال».

ويكمل الحاتمي، عن طبيعة المواد التي يسهم في رفعها إلى «ترند»: «إن غالبية ما أقوم بتكثيف دعمه ليصل إلى «ترند» هي الحالات الإنسانية، ويأتي من بعدها الشعراء، ويُعدُّ أصحاب الحالات الإنسانية والشعراء من أكثر عملائنا».

سوق الإعلان الإلكتروني

تعد المعايير والأرقام مهمّة جداً في عالم التسويق الإلكتروني والإعلامي، لاعتماد التجار على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن أصحاب التفاعل العالمي لتسويق منتجهم، لما يمتاز به هذا النوع من التسويق من وصول سريع وغير مكلف، لكن عدم المصداقية يجعل الشركات المعلنة ضحية أحيانا لبعض أصحاب الحسابات.

يوضح محمد بن عبود الهلابي، المختص في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلانات الرقمية»: أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منتدى عاماً يزخر بالمستخدمين من الطبقات المثقفة والاجتماعية والاقتصادية كافة، ما دفع التجار إلى استخدامها بوصفها قناة لترويج بضائعهم، مما دعا مواقع التواصل الاجتماعي إلى الاهتمام أكثر بمنصاتها، نظراً إلى المبالغ الطائلة التي تُدرها نتيجة هذه الإعلانات.

وهناك أيضاً نوع آخر من الترويج والتسويق والإعلانات يتم باستخدام هذه المنصات، إلا أن عوائده لا تعود عليها، وهو التسويق عبر أصحاب التفاعل العالي والمتابعات المرتفعة، كما يُطلق عليهم تارة بالمشاهير أو المؤثرين، ويُسمَّون أيضاً بالهوامير، وهو ما أنا بصدد الحديث عنه هنا.

يتميز هذا النوع من الإعلان بسهولة إخراجه الفني، وسرعة إطلاقه ونشره، وكذلك قوة نتائجه على المستهلك بتحقيقه المبيعات المرجوة، أو التأثير المطلوب، وهناك أسباب كثيرة لنجاح تأثيرهم، أبرزها الموثوقية التي اكتسبوها من متابعيهم، وأيضاً نهجهم - بقصد أو بدون قصد - لإستراتيجية التسويق المسماة (Word Of Mouth) إذ تستمد قوتها من ترويج شخص ما ترتبط به برابطة صداقة أو قرابة أو محبة أو ثقة لمنتج ما، فيكون أثر ذلك الترويج علينا - نحن المستهلكين - أبلغ من إعلان تليفزيوني يعرض في أشهر المحطات صُرفت عليه ملايين الريالات.

وكما هي العادة، في أي ميدان تجاري تنافسي، فهناك المتطفلون والمحتالون، أو دعني لا أقسو بتلك الأوصاف، فأقول: هناك من يتصنع ليصل، كما في المقولة الشهيرة «زيِّفها حتى تصنعها» (Fake it, until you make it)، وهي مقولة تشير إلى أنه بتقليد الثقة والكفاءة والعقلية المتفائلة يمكن للشخص أن يدرك هذه الصفات في حياته الحقيقية ويحقق النتائج التي يبحث عنها، فهنا يجدر بالمعلنين التأكد من صرف أموالهم في المكان الصحيح، لتستثمر بشكل مثالي، ويعود أثرها عليهم بالشكل المرضي».

تلاعب بأسعار الإعلانات

يشير الهلابي في حديثه، إلى مكامن التأثير السلبي، وما يوصي به لتفادي أنواع المعلنين والتلاعب بالأسعار، قائلاً «يكمن تأثيرهم السلبي في تشويه صورة المعلنين الحقيقيين أصحاب السمعة الجيدة والتأثير المميز، وكذلك تضخم أسعار الإعلانات بشكل مبالغ فيه، إضافة إلى إنهاكهم لميزانيات التجار، وخصوصاً المبتدئين وأصحاب المشاريع الصغيرة، مما يضطرهم إلى الخروج من السوق.

وهنا بعض الأمور التي أوصي بالعمل بها لكي نتجنب هذا النوع من المعلنين: (مرحلة ما قبل الإعلان)؛ أولا: التأكد من المعلن الذي اخترته جيداً، بسؤاله عن نوع جمهوره وديموغرافيتهم أولاً، ولا تدع أعداد المتابعين والمشاهدات تبهرك! فربما كان عدد المتابعين كبيراً جداً، ولكنهم ليسوا جمهورك المستهدف.

ثانيا: اطلب أرقام التفاعل لآخر 30 يوماً مثلاً، واطلب منه أرقام منشورات أو «سنابات» بشكل عشوائي، كي لا يتم تضليلك بإعطائك أرقاماً أعلى المنشورات فقط.

ثالثا: استفسر عن آخر المنتجات التي أُعلن عنها، وأًجْرِ بحثاً سريعاً عن تأثير إعلاناته على تلك المنتجات.

رابعا: استعن بأحد محللي حسابات التواصل الاجتماعي، لدراسة حسابه من ناحية موثوقية التفاعل، وعدد المتابعين الحقيقيين، ويمكن التحقق من ذلك عبر أدوات وبرامج عدة تستطيع الرجوع إلى تاريخ تفاعل الحساب، ومصداقية هذا التفاعل من عدمه، لكن عند عدم التوافر، فهنا أداة مجانية يمكن الاستئناس بها، مختصة بتحليل حسابات «تويتر»، توضح لك نوع المتابعين الحقيقيين والوهميين: (twitteraudit.com).

تأتي بعد ذلك مرحلة (أثناء الإعلان)، وتتضمن خطوتين، أولاهما: إذا كنت تروج لمنتجك من خلال متجر، فأنصحك بإعطاء كل معلن رابطاً مخصصاً له، تستطيع من خلاله تتبع التفاعل الذي يأتي من جمهور كل معلنٍ على حدة، ثانيتهما: متابعة سير المبيعات أثناء الإعلان؛ للتأكد من تأثير هذا المعلن.

وتبقى سوق الإعلان عبر الحسابات المؤثرة والمشهورة ملعباً مفتوحاً وأرضاً خصبة لكل اللاعبين؛ ليحصلوا فيه على أهدافهم الربحية أو غيرها بجدارة واستحقاق، لكن التعويل الوحيد يكون على نشر الوعي لدى راعي الإعلان والمستهلك، وكذلك المعلن (المؤثر)».

عقوبات صارمة

من الجهة القانونية، يتحدث المحامي عاصم خواجي عن الأنظمة التشريعية في المملكة تجاه الاحتيال الإلكتروني، فيقول: «يجب التنبيه والحذر مما نشاهده من تزايد في أعداد المتابعين للمشاهير، أو لمن يريدون الحصول على المتاع المالي والبذخ المعيشي عبر التقليد الأعمى، ولكي نحمي أنفسنا ومن نحب وجب علينا النصح والإرشاد كي لا نكون فريسة سهلة لمثل هؤلاء «العصابات».

ومن المحزن والمخزي أن يسعى كثير من أصحاب الصفحات إلى شراء المتابعين على صفحاتهم الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، وزيادة عددهم بشكل مبالغ فيه وبطرق غير شرعية، لتأكيد نجوميتهم في الوسط - والحمد لله - أن هناك تشريعاً منظماً في المملكة تجاه هذا الاحتيال الإلكتروني، وترتيب العقوبة المترتبة على النصب والاحتيال الإلكتروني في السعودية، فقد صدر ونُشر نظام مكافحة جرائم المعلوماتية عام 2017، وهو نظام يهدُف إلى الحد من وقوع جرائم المعلوماتية، وذلك بتحديد هذه الجرائم بكل أنواعها، والعقوبات المقررة لكل منها.

ولعقوبة النصب والاحتيال الإلكتروني جانبان؛ حق عام وحق خاص، فقد نظم المشرع عقوبة للحق العام في جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني، في نص المادة الثالثة من نظام مُكافحة جرائم المعلومات، على أنه: «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين»، أما الحقّ الخاص في جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني فقد نصت المادة الخامسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية على أنه: «يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تزيد على مليوني ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل شخص يرتكب أيّاً من الجرائم المعلوماتية الآتية، منها: الاستيلاء، لنفسه أو لغيره، على مال منقول أو على سند، أو توقيع هذا السند، وذلك عن طريق الاحتيال، أو اتخاذ اسم كاذب، أو انتحال صفة غير صحيحة».

ويعدد خواجي، أنواعاً من الجرائم الإلكترونية التي تنتج من زيادة التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في قوله: «ومن الجرائم الإلكترونية التي يتم تطبيق العقوبة عليها على عدّة صور:

*حيل الخداع: وهو محور الحديث الذي يشغل الرأي داخل المملكة العربية السعودية والعالم أجمع، وذلك يكون عن طريق انتحال صفة العلامات التجارية الموثوقة والشائعة، وذلك لإنشاء ملفات تعريف وهمية في وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع «ويب»، لجذب المستخدمين إليها، وإلحاق الضرر بهم، فيجب على كل من وقع ضحية لهذه الشبكة المنظمة الممتهنة لمهنة النصب والاحتيال الإلكتروني أن يتقدم بالإبلاغ عن الجريمة إلى أقرب مركز أمني موجود في المكان الذي وقعت فيه الجريمة، وبعد ذلك يُنظم المركز الأمني تقريراً بالجريمة، ويُحيلها إلى النيابة العامة للتحقيق فيها، وبعد التعرف على هوية المُشتبه به، سيؤمر المتهم بحضوره للمثول أمام الجهة المختصة من أجل الاستجواب، ثم يتم إعداد لائحة الاتهام وتحال القضية إلى المحكمة الجزائية المُختصة للمحاكمة».

تأثيرات سلبية للمروجين الوهميين للإعلانات

ـ تشويه صورة المعلنين الحقيقيين أصحاب السمعة الجيدة والتأثير المميز.

ـ تضخم أسعار الإعلانات بشكل مبالغ فيه.

ـ إنهاكهم ميزانيات التجار وخصوصاً المبتدئين ما يضطرهم للخروج من السوق.

نصائح للتيقن من المعلن

أولا: مرحلة ما قبل الإعلان

1ـ التأكد من المعلن الذي اخترته جيداً.

2ـ سؤاله عن نوع جمهوره وديموغرافيتهم.

3ـ لا تدع أعداد المتابعين والمشاهدات تبهرك.

4ـ تأكد أن متابعي الحساب هم جمهورك المستهدف.

5ـ اطلب أرقام التفاعل لآخر 30 يوماً مثلاً.

6ـ اطلب من المعلن أرقام منشورات أو «سنابات» بشكل عشوائي، حتى لا يضللك.

7ـ استفسر عن آخر المنتجات التي أُعلن عنها.

8ـ أجْرِ بحثاً سريعاً عن تأثير إعلاناته على تلك المنتجات.

9ـ استعن بأحد محللي حسابات التواصل الاجتماعي، لدراسة حسابه.

10ـ تأكد بالاستعانة بالمحلل من موثوقية التفاعل، وعدد المتابعين الحقيقيين.

11ـ استخدم أدوات وبرامج عدة تستطيع الرجوع إلى تاريخ تفاعل الحساب، ومصداقية التفاعل.

12ـ استعن بأداة مجانية مختصة بتحليل حسابات «تويتر»، وهي (twitteraudit.com).

ثانيا: مرحلة أثناء الإعلان

1ـ اعط كل معلن رابطاً مخصصاً له يمكنك من تتبع تفاعل جمهوره.

2ـ متابعة سير المبيعات أثناء الإعلان؛ للتأكد من تأثير المعلن.