عبدالله فدعق

«اللهم سلمنا لرمضان، وسلم رمضان لنا، وتسلمه منا متقبلا».. آمين؛ بغض النظر عن ثبوت هذا الدعاء كحديث نبوي، أو نسبته لصحابي بعينه، هو سيدنا عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، أو لتابعي، هو سيدنا مكحول الشامي الهذلي، رحمه الله، أو للسلف الصالح؛ إلا أن مفرداته بلغت غاية كبرى من الجمال والدقة، إذ إن السلامة للشهر المعظم، وسلامة الشهر للناس، ثم استلامه؛ مسائل تستحق التمعن، لا القراءة الخالية منها..

«اللهم سلمنا لرمضان»، أي امنحنا فيه القوة والنشاط والهمة والاجتهاد لنصوم نهاره كما يجب، ونقوم ليله كما ينبغي، إيمانا بك، وطمعا في حصول الأجر من عندك؛ و«سلم رمضان لنا»، أي اجعله يا ربي خاليا من الموانع والعوائق والشوائب والمنغصات والمكدرات، الحسية منها والمعنوية، و«تسلمه منا متقبلا»، هذه هي غاية المراد، ونهاية الأمل، وفق قول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعوا لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾»..

حلاوة وجزالة كلمة السلامة لرمضان، ومن رمضان، يذوقها من عرف أنه ضيف عزيز يستحق الاستقبال الحسن، والاستئناس الجميل، ومن ذلك أن يغتنمه من أدركه في التخلص من الشحناء والبغضاء، والكذب والتكذيب، وأن يكسبه من جاع وعطش في نهاره في مراجعة النفس، والعودة للخالق، واليقظة والفطنة، وتنقية الظاهر والباطن من زخرفات الحياة وخزعبلاتها، والترف والوقاحات والمعايب، والمشوشات والملهيات، وما يخدش الحياء والعفاف، والحواجز والصوارف والقواطع، وما تشمئز منه النفس السليمة، وأن يستفيد من وصله في أن يكون جادا في محاسبة ذاته، وتخليص نفسه من أي خُلُقٍ دنِيء.

لعل أجمل ما يتعلق بالسلامة لرمضان ومن رمضان، أن هذا الأمر يصل له كل الصائمين، غنيهم وفقيرهم، ذكرهم وأنثاهم، والعربي منهم والأعجمي؛ كلهم له حظ فيه، ولهم نصيب من خيراته، لا سيما من ازداد فيه من التراحم، والتعاطف، ورهافة الحس، وطيب الكلام، والاعتذار حال التقصير، والهمة، وعدم البطر والإسراف، وجاهد في وزن بصره وسمعه بميزان الصالحين، وليس بميزان لصوص رمضان، ووكلاء الشياطين المصفدة، الذين فاتهم قول سيد البشر، صلوات ربي وسلامه عليه: «من لم يدَع قولَ الزُّور والعملَ به والجهل، فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه».

السلامة الرمضانية، يصل إليها وبسهولة من عرف أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وأنه يقبل من المتقين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب الملحين عليه بالدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء. فاللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كربَ المكرُوبِين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا أجمعين.. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمرنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافك واتقاك واتبع رِضاك.. اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال، وأصلِح له بِطانتَه.. اللهم من أرادَنا والعالمين بسُوءٍ فاشغَله بنفسِه، واجعَل كيدَه في نحره.. اللهم أصلِح أحوالَنا والناس أجمعين، وانصُر المُستضعَفين، اللهم اجعَل رمضان لنا مغنَمًا ومربحًا، وأوقاته وبركاته ونفحاته ورحماته معراجا وسُلَّمًا، برحمتِك يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا سميع الدعاء.. اللهم آمين.