فهد عريشي

عام 2011، وأثناء مقابلة تليفزيونية مع إيلون ماسك، طرحت عليه المذيعة سؤالا: ما رأيك في شركة (BYD) الصينية؟ هل تراها منافسًاً محتملا لتيسلا؟ لم يتردد ماسك في الرد فورًا بضحكة ساخرة وهزّة رأس تنمّ عن استهزاء واضح، وعندما سألته المذيعة لماذا تضحك؟ قال هل رأيت سياراتهم؟ ضحكته لم تكن مجرد رد فعل عفوي، بل كانت انعكاسًا لنظرة استعلائية تبناها كثير من رواد وادي السيليكون تجاه الشركات الصينية آنذاك، التي كانت تُصنف بأنها مقلدة لا مبتكرة، تسعى خلف الركب لا في مقدمته، لكن ما لم يدركه ماسك في تلك اللحظة، هو أن الصين رغم بدايتها المتواضعة في مجال السيارات الكهربائية إلا أنها تعمل بطموح كبير باجتهاد وبصمت.

وبينما كانت تيسلا تستعرض سيارتها الفاخرة في معارض كاليفورنيا، كانت (BYD) تنسج شبكتها بهدوء في أكبر سوق سيارات في العالم وفي السوق الصيني، بدعم حكومي واسع، وبإستراتيجية وطنية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، تحولت (BYD) من شركة متخصصة في البطاريات إلى عملاق صناعي متكامل، ينتج السيارات الكهربائية من الألف إلى الياء، تحت رعاية سياسات حكومية مشجعة، مثل الإعفاءات الضريبية، ودعم البنية التحتية لشحن المركبات، عززت (BYD) إنتاجها وتوسعت في طرازاتها، لتغطي مختلف شرائح السوق، من السيارات الاقتصادية إلى الفاخرة، وبينما كانت تيسلا تكافح في بعض الأسواق الخارجية بسبب ارتفاع الأسعار أو مشاكل سلاسل التوريد، كانت (BYD) تطلق سياراتها بكفاءة واستقرار.

وجاءت لحظة الانقلاب في نهاية عام 2023، حين تفوقت (BYD) لأول مرة في تاريخها على تيسلا في مبيعات السيارات الكهربائية بالكامل، حيث سجلت مبيعات تجاوزت 526 ألف مركبة في الربع الأخير من العام، مقارنة بـ484 ألف مركبة لتيسلا. كان ذلك الحدث صدمة للمتابعين، ونقطة تحول في تاريخ المنافسة الصناعية، فقد تحولت الشركة التي كانت تُضحك، إيلون ماسك، قبل عقد من الزمن إلى الشركة التي تتصدر اليوم العناوين، وتربك حسابات المنافسين.

ما يميز (BYD) ليس فقط الأرقام، بل النهج المتكامل الذي تبنته، فهي من الشركات القليلة في العالم التي تنتج بنفسها البطاريات، والمحركات، والرقائق الإلكترونية، وحتى البرمجيات المستخدمة في سياراتها.

هذا التكامل قلل من اعتمادها على الموردين، وجعلها أكثر مرونة في التعامل مع أزمات السوق، مثل أزمة نقص الرقائق أو ارتفاع أسعار المواد الخام، في المقابل، لا تزال تيسلا تعتمد على شركاء خارجيين في بعض الأجزاء الأساسية، ما يعرّضها للتقلبات والضغوط الخارجية.

من جهة أخرى، استفادت (BYD) من توسعها العالمي بشكل ذكي، فدخلت أسواقًا جديدة في أوروبا وأمريكا اللاتينية، وبدأت تصدر سياراتها إلى دول كانت في الماضي حكرًا على شركات غربية. ومع تزايد التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة، فإن الطلب على المركبات الكهربائية يتضاعف، والشركات التي تملك قاعدة إنتاج قوية مثل (BYD) تكون في موقع الأفضلية.

قصة (BYD) وتيسلا لم تعد مجرد منافسة بين شركتين، بل تحوّلت إلى رمز لصعود الصين في عالم التكنولوجيا، مقابل تحديات تواجهها الشركات الغربية.. إنها قصة عن التحول من الاستهانة إلى الهيبة، ومن السخرية إلى الإعجاب.

أما ضحكة إيلون ماسك تلك، فقد أصبحت اليوم مادة للسخرية العكسية، تتداولها مواقع التواصل كأنها لحظة غرور، لم يدرك بعد أن الصناعة الصينية لم تكتف بالتقليد، بل تسعى إلى التفوق.