يجدر بنا، قبل معالجة نظرية أفلاطون في الشعر، أن نشير بإيجاز إلى نظريته في الإنسان والموجودات.
ثم إلى مكانة الشعر عند الإغريق.
ينقسم الإنسان، في رأي أفلاطون، إلى قوى ثلاث: القوة العقلية، والقوة الحماسية، والقوة الشهوانية.
فالأولى أشرفها، والثالثة أحطها، أما الثانية فتساند القوة العقلية في فرض سيطرتها على القوة الشهوانية. وبذلك فقط يصبح في مقدور الإنسان أن يكون عادلا، أو أن يعاين مثل الخير والحق والجمال.
ويرى أفلاطون، بصدد الموجودات، أن المثل موجودة، بل أعرق في الوجود من الحسيات. فالجمال، مثلا، موجود في عالم المثل الأزلية وهو أعرق وجودا من من أي مظهر جميل، وهكذا قل عن سائر المثل كالعدل، والخير والحق. ويعود خلود المثل إلى كونها جزءا لا يتجزأ من العقل الخالد.
كان الشعر عند الإغريق مصدر المعرفة، فالشاعر إنسان موهوب يجمع في شخصه كل المعارف، من أساطير ودين وفلسفة وتاريخ، وكان (هومر) و (هزيود) في نظر الشعب سيدي الشعر الأوحدين، والإلياذة مثال الشعر الفريد الخالد، وقد أدى هذا الاعتقاد إلى طغيان الخيال والوهم والخرافات على الحقيقة المستندة إلى التمحيص العقلي والنظر المنطقي.
وقد هال أفلاطون هذا الخطر الذي يهدد الشعب فراح يحاول دفعه بالتفريق بين الفلسفة والشعر، وتعتبر «الجمهورية» مصدرا رئيسيا لهذه المحاولة. ويليها (الايون) و (الابولوجيا).
ففي ( الجمهورية ) يعالج أفلاطون مشكلة الشعر في الكتاب الثاني والثالث والعاشر. ففي الكتاب الثاني ينتقد
الشعراء الأقدمين وفي طليعتهم (هزيود) و (هومر) للروايات الخيالية والخرافات المضللة التي رواها عن الآلهة والأبطال، ناهيك عن تمثيلهم تمثيلا لا يليق بهم ولا يصح أن يكون قدوة حسنة للنشء الجديد.
ذاهبا إلى أنها خطر على الدولة، سواء أضيفت الحقيقة والمجاز، إذ يصعب انتزاعه منها فيما بعد. ومن الواجب إذن، الحرص على ألا يكون فيما يسمعه النشء من الأحداث ما ينافي تهذيب النفس على الفضيلة ومكارم الأخلاق. ذلك إنه إذا أصغى الشبان إصغاء جدياً إلى أقوال كهذه، ولم يهزؤوا بها كأوصاف سخيفة، يندر أن يحترم أحد منهم نفسه كرجل، ويترفع عن النواح والعويل لأقل مصيبة.
ويقرر أفلاطون أنه لا يمكن للشخص الواحد أن يجيد محاكاة أشياء عديدة في وقت واحد، ولذلك فعلى المحاكي أن يقتصر على ذوي الصناعات السامية المحترمة. أما الأسلوب في التأليف والإلقاء فينبغي أن يكون بسيطا فعالا. على الشعراء أن يتقيدوا بهذه البساطة في الأغاني والألحان بواسطة الآلات الموسيقية، مع الابتعاد عن كل ما يبعث الميعان والخمول في عقول الشبان. ويختم أفلاطون بحثه بتبرير وضع هذه القوانين. فيزعم أن الغاية منها تربية الجيل الطالع على الشعور بالجمال والانسجام والاتزان، لأنها صفات تؤثر في سجيتهم وفي علاقة بعضهم بالبعض الآخر.
1956*
*شاعر، وكاتب، وصحفي لبناني (1916 - 1987)
ثم إلى مكانة الشعر عند الإغريق.
ينقسم الإنسان، في رأي أفلاطون، إلى قوى ثلاث: القوة العقلية، والقوة الحماسية، والقوة الشهوانية.
فالأولى أشرفها، والثالثة أحطها، أما الثانية فتساند القوة العقلية في فرض سيطرتها على القوة الشهوانية. وبذلك فقط يصبح في مقدور الإنسان أن يكون عادلا، أو أن يعاين مثل الخير والحق والجمال.
ويرى أفلاطون، بصدد الموجودات، أن المثل موجودة، بل أعرق في الوجود من الحسيات. فالجمال، مثلا، موجود في عالم المثل الأزلية وهو أعرق وجودا من من أي مظهر جميل، وهكذا قل عن سائر المثل كالعدل، والخير والحق. ويعود خلود المثل إلى كونها جزءا لا يتجزأ من العقل الخالد.
كان الشعر عند الإغريق مصدر المعرفة، فالشاعر إنسان موهوب يجمع في شخصه كل المعارف، من أساطير ودين وفلسفة وتاريخ، وكان (هومر) و (هزيود) في نظر الشعب سيدي الشعر الأوحدين، والإلياذة مثال الشعر الفريد الخالد، وقد أدى هذا الاعتقاد إلى طغيان الخيال والوهم والخرافات على الحقيقة المستندة إلى التمحيص العقلي والنظر المنطقي.
وقد هال أفلاطون هذا الخطر الذي يهدد الشعب فراح يحاول دفعه بالتفريق بين الفلسفة والشعر، وتعتبر «الجمهورية» مصدرا رئيسيا لهذه المحاولة. ويليها (الايون) و (الابولوجيا).
ففي ( الجمهورية ) يعالج أفلاطون مشكلة الشعر في الكتاب الثاني والثالث والعاشر. ففي الكتاب الثاني ينتقد
الشعراء الأقدمين وفي طليعتهم (هزيود) و (هومر) للروايات الخيالية والخرافات المضللة التي رواها عن الآلهة والأبطال، ناهيك عن تمثيلهم تمثيلا لا يليق بهم ولا يصح أن يكون قدوة حسنة للنشء الجديد.
ذاهبا إلى أنها خطر على الدولة، سواء أضيفت الحقيقة والمجاز، إذ يصعب انتزاعه منها فيما بعد. ومن الواجب إذن، الحرص على ألا يكون فيما يسمعه النشء من الأحداث ما ينافي تهذيب النفس على الفضيلة ومكارم الأخلاق. ذلك إنه إذا أصغى الشبان إصغاء جدياً إلى أقوال كهذه، ولم يهزؤوا بها كأوصاف سخيفة، يندر أن يحترم أحد منهم نفسه كرجل، ويترفع عن النواح والعويل لأقل مصيبة.
ويقرر أفلاطون أنه لا يمكن للشخص الواحد أن يجيد محاكاة أشياء عديدة في وقت واحد، ولذلك فعلى المحاكي أن يقتصر على ذوي الصناعات السامية المحترمة. أما الأسلوب في التأليف والإلقاء فينبغي أن يكون بسيطا فعالا. على الشعراء أن يتقيدوا بهذه البساطة في الأغاني والألحان بواسطة الآلات الموسيقية، مع الابتعاد عن كل ما يبعث الميعان والخمول في عقول الشبان. ويختم أفلاطون بحثه بتبرير وضع هذه القوانين. فيزعم أن الغاية منها تربية الجيل الطالع على الشعور بالجمال والانسجام والاتزان، لأنها صفات تؤثر في سجيتهم وفي علاقة بعضهم بالبعض الآخر.
1956*
*شاعر، وكاتب، وصحفي لبناني (1916 - 1987)