محمد السعد

تضامنا مع الدجاجة، المخلوقة الكريمة كثيرة البذل والعطاء التي تمنحنا وأطفالنا أنفس ما تملك، لحمها الطري وبيضتها الغالية فلذة كبدها، بما تحتويه من بروتينات وسعرات حرارية تعطي أطفالنا القوة والطاقة كل صباح قبل ذهابهم للمدارس. كانت علاقتنا مع الدجاجة تتصف بالنفعية المتبادلة، نعطيها الطعام الصحي والمسكن اللائق ونعطيها فرصة الحياة وسط أحضان الطبيعة. تلهو وتلعب بين الحشائش وتتمسح بدلال بالتراب الندي وتأكل من خشاش الأرض، في حياة نموذجية تجعلها تمنح أشهى اللحوم بنفس راضية مطمئنة، قبل أن تخرج من جنتها الوارفة وتدخل عالم الأسواق والثقافة الاستهلاكية وتصبح جزءا لا يتجزأ من سوق الأوراق المالية وتبادلات البورصة، وأصبحت هناك شركات متعددة الجنسيات مختصة في إنتاج لحوم الدواجن بكميات هائلة عرضت الدجاجة لأكبر مذبحة جماعية في تاريخها.

بعد الثورة الصناعية وتقدم التكنولوجيا انقلب حال الدجاجة المسكينة، وصار الإنسان الحديث بما يملك من أدوات علم وتقنية يعامل الدجاجة بطغيان غير مسبوق، ويلتهم لحومها كما يلتهم المكسرات بكميات تتجاوز الحد الطبيعي على المستوى اليومي أو الأسبوعي. ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يذبح فوق المليار ونصف دجاجة سنويا لتوفير لحوم الدجاج للأسواق الأمريكية فما بالك ببقية البلدان والشعوب التي تحتاج لأضعاف هذه الكميات، ما يجعل الدجاجة هي الطائر الأقل حظا والأكثر تعرضا للإساءة على كوكب الأرض.

مطاعم الوجبات السريعة المنتشرة في كل شوارع العالم، ولعدة اعتبارات اقتصادية، تعتمد اعتمادا كليا على الدجاجة، صناعة الوجبات السريعة لا يمكن لها أن تدوم دون إنتاج كميات هائلة من لحوم الدجاج، واستمرت الحاجة لإنتاج المزيد تزامنا مع افتتاح المزيد من مطاعم الوجبات السريعة، وتسارعت عمليات الإنتاج في الاتساع حتى أصبحت الدجاجة هي المصدر الغذائي الأول للإنسان الحديث، ولا يمكن تخيل حياتنا اليوم دون وجود الدجاجة الدائم على موائدنا العامرة.

انتقلت الدجاجة لمقرها الجديد، المصنع، بعد أن عاشت قرونا بين أحضان الطبيعة، وسلبت منها حياة النعيم والرفاهية، وصار يمارس ضدها الإكراه دون أن تكون قادرة على الإفلات من جحيم المصنع الأبدي، وتعيش حياتها القاسية في حبس تام منذ لحظة فقسها حتى يوم ذبحها، في أقفاص احتجاز قذرة وضيقة، محشورة مع مئات الدجاجات في مساحة لا تتسع حتى لمد أجنحتها. ولك أن تقارن بين المظهر الخارجي لدجاجة منعمة تتمخطر بدلال وسط أحضان الطبيعة بريشها البراق وألوانه الزاهية ودجاجة تعيسة الحظ تعيش سعير المصنع بهيئتها الرثة وريشها القذر الذي لا يكاد يستر نصف جسدها.

التوازن الغذائي الحديث قائم على وجود دجاجة المصنع، فهي الضامن الرئيس لتحقيق الاكتفاء الغذائي لكل شعوب العالم قاطبة، للدول النامية والدول الأكثر نموا، للشعوب الغنية والشعوب الفقيرة، بالتالي فمصانع إنتاج لحوم الدجاج مضطرة لتسريع عملية الإنتاج وزيادة كفاءتها ما يتطلب حقن الدجاجة بمواد تسرع من عملية اكتسابها للوزن اللازم، أي أن الدجاجة سوف يضاف لها وزن لا يتناسب مع عمرها الصغير، وستكتسب سمنة مرضية تجعلها عاجزة أحيانا عن الحركة، قبل أن تنقل لخطوط إنتاج طويلة تقدم ملايين الدجاجات المذبوحة يوميا بشكل يتجاوز حاجتنا الطبيعية للحوم البيضاء.

وتضامنا مع عزيزتنا الدجاجة، سأطرح تساؤلا تأمليا غارقا في الخيال: هل يمكن للإنسان الحديث الاستغناء عن دجاجة المصنع؟ طبعا أنا لست نباتيا شاطحا ولست من أتباع عقيدة وحدة الوجود، ولكني أدرك جيدا أن الدجاجة يجب أن تخرج من المصنع وتعود معززة مكرمة لبيتها القديم وفردوسها المفقود. فهي تنتمي للطبيعة وخلقت للعيش فيها. ودعونا نطرح تساؤلا آخرا يبدو مجنونا وغير منطقي: هل يمكن الاكتفاء بالدجاج الذي ننتجه ذاتيا؟ يبدو المقترح مستحيلا، وخاصة لسكان المدن وسيؤدي لانقلاب حاد في نمط حياتنا الغارقة في الاستهلاك، نحن نحتاج الوجبة السريعة المتناسبة مع نمط عيشنا السريع، دجاجة تربى بسرعة وتذبح وتقدم للمستهلك النهائي بسرعة، وتربية الدجاج منذ الصغر سيعطل وتيرة أكلنا السريع المتزامن مع وتيرة حياتنا السريعة. وبفعل العادة تكيفنا مع السرعة ونمط الحياة الاستهلاكي وأصبحنا نعيش حياة نعتقد أنها طبيعية وكل ما يعرقلها غير منطقي وغير عملي.