في زمن أصبحت فيه الصورة أبلغ من الكلمة، وصارت الدراما وسيلة رئيسة في تشكيل الوعي الجماهيري وصناعة الانتماء، تبرز ضرورة إنتاج عمل درامي ضخم عن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ــ رحمه الله ــ الموحد والباني، صاحب الرؤية والعبقرية، والاسم الذي غيّر وجه شبه الجزيرة العربية إلى الأبد.
الملك عبدالعزيز لم يكن مجرد قائد استعاد الرياض عام 1902، بل مهندس التوحيد والنهضة، استطاع في ظرف تاريخي بالغ التعقيد أن يوحّد أكثر من 300 قبيلة تحت راية واحدة، ويؤسس دولة حديثة قوية الجذور، قائمة على عقيدة التوحيد الحقة ومفتوحة على العالم، قادرة على الصمود والتطور. سيرته الملحمية تمتد عبر معارك فاصلة، وقرارات مصيرية، وتحالفات دولية، وبناء مؤسسات مدنية، وضبط أمن في صحراء مضطربة. كل هذا يشكّل مادة درامية أغنى من أن تُختزل في صفحات كتب أو تقارير وثائقية جامدة. وفي الوقت الذي باتت فيه الدراما العربية تعجّ بأعمال تاريخية عن شخصيات أقل تأثيرًا وأقل حضورًا ولا تقارن سيرتها بما هي عليه السيرة الأسطورية للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، موحد ومؤسس الدولة السعودية الثالثة رحمه الله.
كثيرون يطرحون تساؤلًا محوريًا: لماذا لم يُنتَج حتى اليوم عمل درامي ضخم يروي سيرة هذا القائد الذي غيّر خارطة الجزيرة العربية وأعاد كتابة وصياغة تاريخ وجغرافيا المنطقة؟
سيرة الملك عبدالعزيز ــ رحمه الله ــ غنية بعناصر الدراما الكاملة بامتياز، فهل المشكلة فنية؟ أم بتأخر الوعي الفني؟ فلو نظرنا إلى حياته من منظور درامي بحت، نجدها تحتوي على كل العناصر التي تبني ملحمة فنية أسطورية.
«نشأته في الرياض في بيت حكمٍ مضطرب، خروجه إلى الكويت وهو شاب، استعادة الرياض في عمر مبُكر من حياته في عملية جريئة لا تُصدق، سنوات طويلة من الجهاد والكفاح لتوحيد نجد والحجاز والأحساء وحائل والقصيم وعسير وجازان، إعلان الدولة السعودية الثالثة عام 1932، وبناء علاقات مع القوى العظمى في وقت استعماري حساس وفي فترة خروج العالم من حرب كونية أولى ويستعد للثانية، قرارات سياسية حاسمة في أدق المنعطفات، تأسيس جيش نظامي، البدء ببناء نظام إداري، إرساء أسس لنهضة تعليمية وصحية وقضائية، التوفيق في عمل توازن بين البُعد الديني والحداثي، حنكة سياسية فريدة في إدارة القبائل، اكتشاف البترول والمهارة في إدارة موارده وبناء اللبنات الأولى للاقتصاد الوطني، وجعله العناية بالحرمين الشريفين والاهتمام بالحج والعمرة وتثبيت المنهج السليم وعقيدة التوحيد الصافية في الممارسات الدينية على رأس أولوياته».
ومن منظور فني صرف، فإن أي كاتب سيناريو أو مخرج سيرى أنها مادة ملحمية وغنية جدًا من الناحية الدرامية توازي أعظم الأعمال التاريخية العالمية. وتحتاج لأجزاء عديدة ومئات الحلقات لإنجازها، ورغم ضخامة السيرة، لم نشهد خلال الفترة الزمنية السابقة سوى محاولات محدودة جدًا وخجولة تمثلت في: وثائقيات جزئية ومناسباتية تُعرض في اليوم الوطني، وظهور بسيط في بعض المسلسلات أو الأفلام مثل «فيلم الملك فيصل»، إضافة إلى أخبار متفرقة عن مشاريع درامية لم تكتمل، ومنها مشروع درامي ضخم أعلنت عنه إحدى الجهات الثقافية عام 2010، لكنه لم يظهر إلى العلن حتى الآن.. ولكن لماذا لم ينتج مثل هذا العمل حتى اليوم؟ هل هي الرهبة من الاقتراب من رمز سيادي وأسطوري؟ فالملك عبدالعزيز ليس مجرد شخصية تاريخية بل هو مؤسس الدولة الحديثة. وأي طرح فني قد يثير مخاوف من تشويه غير مقصود في التمثيل أو الإخراج، أم أن المشكلة تتعلق بغياب البنية الدرامية الوطنية المتخصصة؟ فحتى وقت قريب، لم تكن الدراما السعودية تمتلك كُتابًا متخصصين في التاريخ الدرامي ومخرجين يستطيعون قيادة هذا المشروع الوطني الضخم والذي يتطلب ميزانية إنتاج ضخمة، ولكن هذا ما بدأ يتغير مؤخرًا. أو أنه قصور في الرؤية في توظيف الفن كأداة وطنية؟ فالدول التي أدركت مبكرًا قيمة الفن كقوة ناعمة كمصر وسوريا وتركيا وكثير من دول العالم، صنعت من قادتها أيقونات فنية رغم البون الشاسع جدًا بينهم وبين صقر الجزيرة. لكن في السعودية، ظل يُنظر إلى الفن كمجرد وسيلة ترفيهية، وليس منبرا لبناء الوعي التاريخي والوطني، ولكن ماذا يتوقع منا فعله؟
أولًا: إطلاق مشروع وطني درامي لهذه الشخصية العظيمة، ويكون ذلك بالتعاون والتنسيق بين وزارة الثقافة وهيئة الإذاعة والتلفزيون وهيئة الترفيه ووزارة التعليم والجهات المعنية الأخرى.
ثانيًا: تشكيل فريق عمل من نخبة المؤرخين الكبار والموثوقين لضمان الدقة، وإشراك كتاب سيناريو ومخرجين عالميين محترفين، واختيار دقيق لممثلين سعوديين أو عرب قادرين على تقمص الأدوار الكبيرة.
ثالثًا: الاستفادة من التقنيات الحديثة للتصوير بجودة سينمائية عالمية، ومحاولة اختيار الأماكن الحقيقية للتصوير قدر الإمكان.
رابعًا: عمل دعاية وتسويق للعمل على نطاق واسع رغم أن شخصية البطل وحقيقة المحتوى كفيلة بذلك.
ولنتطرق أخيرًا للفوائد العظيمة لهذا العمل:
1- ترسيخ الهوية الوطنية لدى الأجيال الجديدة.
2- مواجهة محاولات تحريف التاريخ السعودي في بعض وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية.
3- سرد سعودي مستقل عن تاريخ الجزيرة العربية بدلًا من ترك السرد لغيرنا.
4- تقديم الصورة الحقيقية والأسطورية لهذا القائد العربي المسلم، والذي لا يشك أحد أنه أعظم قائد عرفه العالم خلال القرون الأخيرة، وتوجيهها إلى العالم بأسره، لعله يزيح الكثير من الغموض والسلبية المطبوعة لديهم عن العرب والمسلمين بصفة عامة.
إن غياب عمل درامي ضخم عن الملك عبدالعزيز، رغم مرور أكثر من 70 عامًا على وفاته، هو فجوة تاريخية وفنية وأخلاقية، فالأمة التي لا تحتفي بمؤسسها عبر الأدب والفن والإعلام، تُضيّع فرصة ذهبية لتجذير هويتها وبناء وعي أبنائها.
إن إنتاج دراما عن الملك عبدالعزيز ــ رحمه الله ــ ليس توثيقًا محليًا فحسب، بل رسالة إلى العالم بأن هذه الأرض لم تقم مصادفة، ولم تنهض بالتبعية، بل نمت عبر عزيمة قائد، وشعب، ورؤية رسخت الأمن والاستقرار، كما أنها رسالة للأجيال الجديدة بأن جذورهم ضاربة في أرض المجد، وأن ما ينعمون به من استقرار وازدهار له جذور ضحّى لأجلها رجال. وقد آن الأوان لأن تتحرك الجهات المختصة لإنتاج عمل يليق بحجم الرجل وتاريخ الدولة. نحن بحاجة إلى أن يُروى تاريخ الملك عبدالعزيز، لا كمجرد سرد، بل ملحمة بصرية تهز الوجدان وتُغني الذاكرة وتُخلّد الإنجاز. هذا حق الأجيال القادمة، وواجب تجاه الرجل الذي لم يورّث فقط دولة، بل ورّث كرامة وهوية واستمرارية، فليكن العمل بحجم التأسيس، ولنرفع الستار عن قصة لا مثيل لها في التاريخ المعاصر. نافذة: حان الأوان لإنتاج عمل يليق بحجم الرجل، فنحن بحاجة إلى أن يُروى تاريخ الملك عبدالعزيز، لا مجرد سرد، بل ملحمة بصرية تهز الوجدان وتُغني الذاكرة وتُخلّد الإنجاز.
الملك عبدالعزيز لم يكن مجرد قائد استعاد الرياض عام 1902، بل مهندس التوحيد والنهضة، استطاع في ظرف تاريخي بالغ التعقيد أن يوحّد أكثر من 300 قبيلة تحت راية واحدة، ويؤسس دولة حديثة قوية الجذور، قائمة على عقيدة التوحيد الحقة ومفتوحة على العالم، قادرة على الصمود والتطور. سيرته الملحمية تمتد عبر معارك فاصلة، وقرارات مصيرية، وتحالفات دولية، وبناء مؤسسات مدنية، وضبط أمن في صحراء مضطربة. كل هذا يشكّل مادة درامية أغنى من أن تُختزل في صفحات كتب أو تقارير وثائقية جامدة. وفي الوقت الذي باتت فيه الدراما العربية تعجّ بأعمال تاريخية عن شخصيات أقل تأثيرًا وأقل حضورًا ولا تقارن سيرتها بما هي عليه السيرة الأسطورية للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، موحد ومؤسس الدولة السعودية الثالثة رحمه الله.
كثيرون يطرحون تساؤلًا محوريًا: لماذا لم يُنتَج حتى اليوم عمل درامي ضخم يروي سيرة هذا القائد الذي غيّر خارطة الجزيرة العربية وأعاد كتابة وصياغة تاريخ وجغرافيا المنطقة؟
سيرة الملك عبدالعزيز ــ رحمه الله ــ غنية بعناصر الدراما الكاملة بامتياز، فهل المشكلة فنية؟ أم بتأخر الوعي الفني؟ فلو نظرنا إلى حياته من منظور درامي بحت، نجدها تحتوي على كل العناصر التي تبني ملحمة فنية أسطورية.
«نشأته في الرياض في بيت حكمٍ مضطرب، خروجه إلى الكويت وهو شاب، استعادة الرياض في عمر مبُكر من حياته في عملية جريئة لا تُصدق، سنوات طويلة من الجهاد والكفاح لتوحيد نجد والحجاز والأحساء وحائل والقصيم وعسير وجازان، إعلان الدولة السعودية الثالثة عام 1932، وبناء علاقات مع القوى العظمى في وقت استعماري حساس وفي فترة خروج العالم من حرب كونية أولى ويستعد للثانية، قرارات سياسية حاسمة في أدق المنعطفات، تأسيس جيش نظامي، البدء ببناء نظام إداري، إرساء أسس لنهضة تعليمية وصحية وقضائية، التوفيق في عمل توازن بين البُعد الديني والحداثي، حنكة سياسية فريدة في إدارة القبائل، اكتشاف البترول والمهارة في إدارة موارده وبناء اللبنات الأولى للاقتصاد الوطني، وجعله العناية بالحرمين الشريفين والاهتمام بالحج والعمرة وتثبيت المنهج السليم وعقيدة التوحيد الصافية في الممارسات الدينية على رأس أولوياته».
ومن منظور فني صرف، فإن أي كاتب سيناريو أو مخرج سيرى أنها مادة ملحمية وغنية جدًا من الناحية الدرامية توازي أعظم الأعمال التاريخية العالمية. وتحتاج لأجزاء عديدة ومئات الحلقات لإنجازها، ورغم ضخامة السيرة، لم نشهد خلال الفترة الزمنية السابقة سوى محاولات محدودة جدًا وخجولة تمثلت في: وثائقيات جزئية ومناسباتية تُعرض في اليوم الوطني، وظهور بسيط في بعض المسلسلات أو الأفلام مثل «فيلم الملك فيصل»، إضافة إلى أخبار متفرقة عن مشاريع درامية لم تكتمل، ومنها مشروع درامي ضخم أعلنت عنه إحدى الجهات الثقافية عام 2010، لكنه لم يظهر إلى العلن حتى الآن.. ولكن لماذا لم ينتج مثل هذا العمل حتى اليوم؟ هل هي الرهبة من الاقتراب من رمز سيادي وأسطوري؟ فالملك عبدالعزيز ليس مجرد شخصية تاريخية بل هو مؤسس الدولة الحديثة. وأي طرح فني قد يثير مخاوف من تشويه غير مقصود في التمثيل أو الإخراج، أم أن المشكلة تتعلق بغياب البنية الدرامية الوطنية المتخصصة؟ فحتى وقت قريب، لم تكن الدراما السعودية تمتلك كُتابًا متخصصين في التاريخ الدرامي ومخرجين يستطيعون قيادة هذا المشروع الوطني الضخم والذي يتطلب ميزانية إنتاج ضخمة، ولكن هذا ما بدأ يتغير مؤخرًا. أو أنه قصور في الرؤية في توظيف الفن كأداة وطنية؟ فالدول التي أدركت مبكرًا قيمة الفن كقوة ناعمة كمصر وسوريا وتركيا وكثير من دول العالم، صنعت من قادتها أيقونات فنية رغم البون الشاسع جدًا بينهم وبين صقر الجزيرة. لكن في السعودية، ظل يُنظر إلى الفن كمجرد وسيلة ترفيهية، وليس منبرا لبناء الوعي التاريخي والوطني، ولكن ماذا يتوقع منا فعله؟
أولًا: إطلاق مشروع وطني درامي لهذه الشخصية العظيمة، ويكون ذلك بالتعاون والتنسيق بين وزارة الثقافة وهيئة الإذاعة والتلفزيون وهيئة الترفيه ووزارة التعليم والجهات المعنية الأخرى.
ثانيًا: تشكيل فريق عمل من نخبة المؤرخين الكبار والموثوقين لضمان الدقة، وإشراك كتاب سيناريو ومخرجين عالميين محترفين، واختيار دقيق لممثلين سعوديين أو عرب قادرين على تقمص الأدوار الكبيرة.
ثالثًا: الاستفادة من التقنيات الحديثة للتصوير بجودة سينمائية عالمية، ومحاولة اختيار الأماكن الحقيقية للتصوير قدر الإمكان.
رابعًا: عمل دعاية وتسويق للعمل على نطاق واسع رغم أن شخصية البطل وحقيقة المحتوى كفيلة بذلك.
ولنتطرق أخيرًا للفوائد العظيمة لهذا العمل:
1- ترسيخ الهوية الوطنية لدى الأجيال الجديدة.
2- مواجهة محاولات تحريف التاريخ السعودي في بعض وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية.
3- سرد سعودي مستقل عن تاريخ الجزيرة العربية بدلًا من ترك السرد لغيرنا.
4- تقديم الصورة الحقيقية والأسطورية لهذا القائد العربي المسلم، والذي لا يشك أحد أنه أعظم قائد عرفه العالم خلال القرون الأخيرة، وتوجيهها إلى العالم بأسره، لعله يزيح الكثير من الغموض والسلبية المطبوعة لديهم عن العرب والمسلمين بصفة عامة.
إن غياب عمل درامي ضخم عن الملك عبدالعزيز، رغم مرور أكثر من 70 عامًا على وفاته، هو فجوة تاريخية وفنية وأخلاقية، فالأمة التي لا تحتفي بمؤسسها عبر الأدب والفن والإعلام، تُضيّع فرصة ذهبية لتجذير هويتها وبناء وعي أبنائها.
إن إنتاج دراما عن الملك عبدالعزيز ــ رحمه الله ــ ليس توثيقًا محليًا فحسب، بل رسالة إلى العالم بأن هذه الأرض لم تقم مصادفة، ولم تنهض بالتبعية، بل نمت عبر عزيمة قائد، وشعب، ورؤية رسخت الأمن والاستقرار، كما أنها رسالة للأجيال الجديدة بأن جذورهم ضاربة في أرض المجد، وأن ما ينعمون به من استقرار وازدهار له جذور ضحّى لأجلها رجال. وقد آن الأوان لأن تتحرك الجهات المختصة لإنتاج عمل يليق بحجم الرجل وتاريخ الدولة. نحن بحاجة إلى أن يُروى تاريخ الملك عبدالعزيز، لا كمجرد سرد، بل ملحمة بصرية تهز الوجدان وتُغني الذاكرة وتُخلّد الإنجاز. هذا حق الأجيال القادمة، وواجب تجاه الرجل الذي لم يورّث فقط دولة، بل ورّث كرامة وهوية واستمرارية، فليكن العمل بحجم التأسيس، ولنرفع الستار عن قصة لا مثيل لها في التاريخ المعاصر. نافذة: حان الأوان لإنتاج عمل يليق بحجم الرجل، فنحن بحاجة إلى أن يُروى تاريخ الملك عبدالعزيز، لا مجرد سرد، بل ملحمة بصرية تهز الوجدان وتُغني الذاكرة وتُخلّد الإنجاز.