«السمنة» واحدة من أبرز التحديات الصحية التي تواجه المجتمع السعودي في القرن الواحد والعشرين إذ تشير إحصاءات الهيئة العامة للإحصاء لعام 2024 إلى أن أكثر من %50 من الشعب السعودي يعاني من زيادة الوزن والسمنة، ما يجعلها من أخطر الأوبئة الصامتة التي تهدد صحة المجتمع وتؤثر في اقتصاده. فالسمنة ليست مجرد زيادة في الوزن، بل مرض مزمن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمضاعفات خطيرة
منها:
- السكري من النوع الثاني
- أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم
- مشاكل المفاصل والكبد
وبعض أنواع السرطان، كما تُشكّل السمنة عبئًا اقتصاديًا متزايدًا يتجاوز التأثير الصحي ليطال الاقتصاد الوطني بشكل مباشر، حيث إن فاتورة تكلفة السمنة في السعودية بلغت نحو 20 مليار دولار أمريكي في عام 2022 (1 % من الناتج المحلي)، وتشمل التكاليف: علاج الأمراض المزمنة، انخفاض الإنتاجية، والوفيات المبكرة.. والجميع يعلم أن من أهم أسباب نشوء السمنة، الإفراط في تناول الطعام والنظام الغذائي غير المتوازن الذي يتعاطاه معظم أفراد مُجتمعنا. المطبخ السعودي يمتلك إرثًا غنيًا من الأطعمة المتنوعة، التي تمثل جزءًا مهمًا من الهوية الثقافية والاجتماعية للمملكة، من «الكبسة إلى الجريش، ومن المندي إلى القرصان». وتشكل هذه الأطباق خلا أنها رئيسة على مائدة الأسرة السعودية، مظاهر للكرم والاحتفاء، وتُقدم بفخر في المناسبات والأعياد. لكن خلف هذه الصورة المشرقة، تبرز إشكالية صحية حقيقية، تتمثل في ارتفاع معدلات السمنة والأمراض المزمنة المرتبطة بالتغذية. وهنا نطرح السؤال الجوهري: هل يمكن أن نحافظ على تراثنا الغذائي، دون أن نفقد صحتنا؟ ولكن من جهة أخرى أليس من عدم الإنصاف أن نُحمّل التراث الغذائي كامل المسؤولية عن تفاقم مشاكل السمنة؟ فالكثير من الأطعمة كانت تُتناول في الماضي، ولكن وسط مجتمع يتميز بنشاط بدني أكبر (الرعي، الزراعة، التنقل). وكانت الوجبات أقل تواترًا، كانت طبيعية ويندر أن تجد مُدخلات مُصنعة. ولكن مع تغيّر نمط الحياة انتشرت ثقافة «الجلوس الطويل» والاعتماد على المأكولات السريعة والسكريات، وأصبحت الوجبة السعودية مفرطة في السعرات دون حرق كاف. لكن دعونا نبحث عن أهم المسببات والحلول. لطالما كان الكرم سمة أصيلة في الشخصية السعودية وهو جزء من الإرث الديني والثقافي والاجتماعي الذي يتباهى به الأفراد والقبائل على مرّ العصور. لكن المشكلة تظهر حين ينقلب الكرم إلى إسراف، ويُقاس بعدد الذبائح، لا بنية العطاء. ففي كثير من المناسبات الاجتماعية تظهر موائد عامرة بكميات طعام تفوق الحاجة، وتبرز ضغوط اجتماعية لإظهار «الكرم» بصور مكلفة ومرهقة. ولن نغفل دور وسائل التواصل الاجتماعي السلبي، والعشق المفرط للفلاشات وأخذ اللقطة، في تفاقم هذه المشكلة. هذا التحول جعل قيمة الكرم الحقيقية تتوارى خلف مظهر اجتماعي لا يخدم الصحة ولا الاقتصاد. قال تعالى (ولاتُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾. وتشير الدراسات إلى أن نسبة الفقد والهدر في الغذاء بالمملكة تبلغ نحو 33%، بما يعادل 4 ملايين طن سنويًا، وتُقدر قيمة هذا الهدر بنحو 40 مليار ريال سعودي سنويًا. ولنأتي لدور آخر سلبي جدًا ومؤثر تلعبه خدمات التوصيل، التي انتشرت حديثًا وصارت من سمات مجتمعنا، حيث تشجع على تناول الوجبات الجاهزة عالية السعرات. وتُضعف العلاقة مع المطبخ المنزلي، وتفتح الباب للأكل في أوقات غير مناسبة، وتزيد من الاستهلاك العاطفي للطعام، عدا عن تكاليفها الاقتصادية المرهقة للأسرة.
هناك بعض الحلول المقترحة التي نعتقد أنها ستسهم في تكوين أرضية صلبة لمكافحة السمنة:
1. على مستوى الفرد
- اتباع نظام غذائي متوازن والابتعاد عن الأطعمة عالية الدهون والسكريات.
- ممارسة الرياضة يوميًا ولو لمدة 30 دقيقة.
- تنظيم أوقات تناول الطعام وتجنب الوجبات الليلية الثقيلة.
- تقنين استخدام تطبيقات توصيل الطعام.
- إدراك الفرق بين الجوع الفعلي والجوع العاطفي.
2. على مستوى الأسرة
- تحضير الطعام في المنزل بطريقة صحية.
- تعزيز نمط الحياة النشط بين أفراد الأسرة.
- غرس قيم الاعتدال وعدم ربط الكرم بالإفراط في الأكل.
- تعليم الأطفال عادات الأكل الصحية منذ الصغر.
3. على مستوى المجتمع:
- اعتماد التثقيف الغذائي في المناهج الدراسية.
- فرض ضرائب على الأغذية والمشروبات غير الصحية.
- تشجيع إنشاء مساحات ومراكز لممارسة الرياضة.
- تنظيم الحملات التوعوية حول مخاطر السمنة.
- دعم السياسات الوطنية لمكافحة الأمراض المزمنة.
وأتذكر جيدًا أن المؤتمر العالمي الثاني للسمنة عام 2017 بأبها خرج بما أسميناه (وثيقة أبها) التي كانت من أهم مخرجاتها (مشروع وطني لمكافحة السمنة)، ورفع لمجلس الشورى وتم إقراره، ولا نعلم حتى الآن ما مصيره!
• تقنين عمل المطاعم إذ ليس من المقبول أن يعمل معظمها طوال ساعات الليل والنهار، بل من المناسب أن يقفل آخرها بحلول منتصف الليل، ويسري الأمر نفسه على شركات توصيل المطاعم.
• بذل الجهود للحد من الإسراف في المناسبات الاجتماعية، وإحداث تغيير إيجابي في مصطلحات وأدبيات ومعاني الكرم وإعادته لحاضنته الدينية والأخلاقية، وهذا دور مطلوب من علماء الدين ومشايخ القبائل.
• إقرار شرط «الوزن الصحي» كأحد مُتطلبات الترقية في الوظائف العسكرية والمدنية وقبول الطلاب في الجامعات والمعاهد.
• دعم مراكز السمنة وعياداتها بالكوادر الفنية والإمكانات المادية في مراكز الرعاية الأولية والمستشفيات وتشجيع البحث العلمي حول هذا الداء الخطير.
السمنة في السعودية لم تعد مشكلة فردية، بل تحد يمس صحة المجتمع واقتصاده. لارتباطها بارتفاع معدلات السكري وأمراض القلب والضغط، وتُقلل من الإنتاجية ونوعية الحياة. وتكلفتها الاقتصادية تُقدّر بمليارات الريالات سنويًا بسبب العلاج وفقدان القوة العاملة. ومع انتشارها بين الكبار والأطفال، كأنها تنذر بجيل أكثر عرضة للأمراض المزمنة ما لم تُعالج بجديّة، عبر الوقاية. السيطرة الكاملة تتطلب تعزيز التنفيذ، ودعم الرعاية المتكاملة، والتزاما وطنيا طويل الأمد.
منها:
- السكري من النوع الثاني
- أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم
- مشاكل المفاصل والكبد
وبعض أنواع السرطان، كما تُشكّل السمنة عبئًا اقتصاديًا متزايدًا يتجاوز التأثير الصحي ليطال الاقتصاد الوطني بشكل مباشر، حيث إن فاتورة تكلفة السمنة في السعودية بلغت نحو 20 مليار دولار أمريكي في عام 2022 (1 % من الناتج المحلي)، وتشمل التكاليف: علاج الأمراض المزمنة، انخفاض الإنتاجية، والوفيات المبكرة.. والجميع يعلم أن من أهم أسباب نشوء السمنة، الإفراط في تناول الطعام والنظام الغذائي غير المتوازن الذي يتعاطاه معظم أفراد مُجتمعنا. المطبخ السعودي يمتلك إرثًا غنيًا من الأطعمة المتنوعة، التي تمثل جزءًا مهمًا من الهوية الثقافية والاجتماعية للمملكة، من «الكبسة إلى الجريش، ومن المندي إلى القرصان». وتشكل هذه الأطباق خلا أنها رئيسة على مائدة الأسرة السعودية، مظاهر للكرم والاحتفاء، وتُقدم بفخر في المناسبات والأعياد. لكن خلف هذه الصورة المشرقة، تبرز إشكالية صحية حقيقية، تتمثل في ارتفاع معدلات السمنة والأمراض المزمنة المرتبطة بالتغذية. وهنا نطرح السؤال الجوهري: هل يمكن أن نحافظ على تراثنا الغذائي، دون أن نفقد صحتنا؟ ولكن من جهة أخرى أليس من عدم الإنصاف أن نُحمّل التراث الغذائي كامل المسؤولية عن تفاقم مشاكل السمنة؟ فالكثير من الأطعمة كانت تُتناول في الماضي، ولكن وسط مجتمع يتميز بنشاط بدني أكبر (الرعي، الزراعة، التنقل). وكانت الوجبات أقل تواترًا، كانت طبيعية ويندر أن تجد مُدخلات مُصنعة. ولكن مع تغيّر نمط الحياة انتشرت ثقافة «الجلوس الطويل» والاعتماد على المأكولات السريعة والسكريات، وأصبحت الوجبة السعودية مفرطة في السعرات دون حرق كاف. لكن دعونا نبحث عن أهم المسببات والحلول. لطالما كان الكرم سمة أصيلة في الشخصية السعودية وهو جزء من الإرث الديني والثقافي والاجتماعي الذي يتباهى به الأفراد والقبائل على مرّ العصور. لكن المشكلة تظهر حين ينقلب الكرم إلى إسراف، ويُقاس بعدد الذبائح، لا بنية العطاء. ففي كثير من المناسبات الاجتماعية تظهر موائد عامرة بكميات طعام تفوق الحاجة، وتبرز ضغوط اجتماعية لإظهار «الكرم» بصور مكلفة ومرهقة. ولن نغفل دور وسائل التواصل الاجتماعي السلبي، والعشق المفرط للفلاشات وأخذ اللقطة، في تفاقم هذه المشكلة. هذا التحول جعل قيمة الكرم الحقيقية تتوارى خلف مظهر اجتماعي لا يخدم الصحة ولا الاقتصاد. قال تعالى (ولاتُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾. وتشير الدراسات إلى أن نسبة الفقد والهدر في الغذاء بالمملكة تبلغ نحو 33%، بما يعادل 4 ملايين طن سنويًا، وتُقدر قيمة هذا الهدر بنحو 40 مليار ريال سعودي سنويًا. ولنأتي لدور آخر سلبي جدًا ومؤثر تلعبه خدمات التوصيل، التي انتشرت حديثًا وصارت من سمات مجتمعنا، حيث تشجع على تناول الوجبات الجاهزة عالية السعرات. وتُضعف العلاقة مع المطبخ المنزلي، وتفتح الباب للأكل في أوقات غير مناسبة، وتزيد من الاستهلاك العاطفي للطعام، عدا عن تكاليفها الاقتصادية المرهقة للأسرة.
هناك بعض الحلول المقترحة التي نعتقد أنها ستسهم في تكوين أرضية صلبة لمكافحة السمنة:
1. على مستوى الفرد
- اتباع نظام غذائي متوازن والابتعاد عن الأطعمة عالية الدهون والسكريات.
- ممارسة الرياضة يوميًا ولو لمدة 30 دقيقة.
- تنظيم أوقات تناول الطعام وتجنب الوجبات الليلية الثقيلة.
- تقنين استخدام تطبيقات توصيل الطعام.
- إدراك الفرق بين الجوع الفعلي والجوع العاطفي.
2. على مستوى الأسرة
- تحضير الطعام في المنزل بطريقة صحية.
- تعزيز نمط الحياة النشط بين أفراد الأسرة.
- غرس قيم الاعتدال وعدم ربط الكرم بالإفراط في الأكل.
- تعليم الأطفال عادات الأكل الصحية منذ الصغر.
3. على مستوى المجتمع:
- اعتماد التثقيف الغذائي في المناهج الدراسية.
- فرض ضرائب على الأغذية والمشروبات غير الصحية.
- تشجيع إنشاء مساحات ومراكز لممارسة الرياضة.
- تنظيم الحملات التوعوية حول مخاطر السمنة.
- دعم السياسات الوطنية لمكافحة الأمراض المزمنة.
وأتذكر جيدًا أن المؤتمر العالمي الثاني للسمنة عام 2017 بأبها خرج بما أسميناه (وثيقة أبها) التي كانت من أهم مخرجاتها (مشروع وطني لمكافحة السمنة)، ورفع لمجلس الشورى وتم إقراره، ولا نعلم حتى الآن ما مصيره!
• تقنين عمل المطاعم إذ ليس من المقبول أن يعمل معظمها طوال ساعات الليل والنهار، بل من المناسب أن يقفل آخرها بحلول منتصف الليل، ويسري الأمر نفسه على شركات توصيل المطاعم.
• بذل الجهود للحد من الإسراف في المناسبات الاجتماعية، وإحداث تغيير إيجابي في مصطلحات وأدبيات ومعاني الكرم وإعادته لحاضنته الدينية والأخلاقية، وهذا دور مطلوب من علماء الدين ومشايخ القبائل.
• إقرار شرط «الوزن الصحي» كأحد مُتطلبات الترقية في الوظائف العسكرية والمدنية وقبول الطلاب في الجامعات والمعاهد.
• دعم مراكز السمنة وعياداتها بالكوادر الفنية والإمكانات المادية في مراكز الرعاية الأولية والمستشفيات وتشجيع البحث العلمي حول هذا الداء الخطير.
السمنة في السعودية لم تعد مشكلة فردية، بل تحد يمس صحة المجتمع واقتصاده. لارتباطها بارتفاع معدلات السكري وأمراض القلب والضغط، وتُقلل من الإنتاجية ونوعية الحياة. وتكلفتها الاقتصادية تُقدّر بمليارات الريالات سنويًا بسبب العلاج وفقدان القوة العاملة. ومع انتشارها بين الكبار والأطفال، كأنها تنذر بجيل أكثر عرضة للأمراض المزمنة ما لم تُعالج بجديّة، عبر الوقاية. السيطرة الكاملة تتطلب تعزيز التنفيذ، ودعم الرعاية المتكاملة، والتزاما وطنيا طويل الأمد.