أمل المجاهد

كل واحد منا يظن أن غيره يهنأ بسعادة لا يملكها، ويتخيل أن الفرح يكمن في شيء بعيد المنال، بل يعتقد بعضنا أن من يبتسم ويبدو مسرورًا قد ارتشف من نعيم الحياة حتى الارتواء. نسابق الزمن بحثًا عن هذا الإحساس المتوار خلف مفهوم السعادة، مع أن أسبابها تختلف باختلاف الأشخاص، فمن يراها في المال، وآخر في السفر، وثالث في العمل أو الزواج. غير أن الحقيقة أن كل تلك الأشياء لا تحمل في طياتها سرورًا دائمًا، بل هي ومضات عابرة تزول بزوال مسبباتها.

السعادة مستودع داخلي، مودع في أعماق كل إنسان، تتحكم به النفس؛ فإن تركت لها مساحة للانطلاق غنت وأزهرت، وإن كبلتها بقيت حبيسة الحزن والصمت كطائر سجين. وفي جوهرها، تعتمد السعادة على محفزات تعجل الوصول إلى شعور الرضا. فإحسانك للآخرين، واستحضارك لنعم الله، وإنجازك للمهام التي كانت تشق عليك؛ كل ذلك يجذب إليك أنوار الفرح. والانخفاضات التي نمر بها في الحياة يعقبها– غالبًا– ارتفاع يزيد من مشاعرنا الإيجابية ويصنع في داخلنا غبطة وفرحًا.

السعادة ليست شعورًا يولد فجأة، بل هي ثمرة تعب وجهد وصبر ومثابرة؛ فمشوار النجاح الشاق يعقبه ابتهاج، ومسيرة الإحسان تفريجًا لكروب الناس تعود على صاحبها بانشراح وبركة. ومما يعين على تعزيز السعادة: تجنب الفراغ؛ لأنه يحول الإنسان الساكن إلى آخر متقلب، مشاكس، تائه في كل اتجاه. ولذلك وصف الفراغ بأنه القاتل الصامت للسعادة.

السعادة هي جوهر الصحة النفسية، وبها يتحقق السلام الداخلي والتصالح مع الذات، وضدها البؤس والاكتئاب والامتعاض. ويرى عالم النفس مارتن سيليغمان في كتابه «السعادة الحقيقية» أن للسعادة الحقة طرقًا متعددة، من أهمها: الشعور بالامتنان عبر تذكر ما يسبب فقدانه عذابًا، كالصحة والأمان؛ فمن لم يفقد عضوًا أو نعمة تعينه على الحياة فليدرك قدر ما يملك. ومن منظور إسلامي، فإن استحضار نعم الله التي لا تعد ولا تحصى من أعظم أبواب السعادة، لقوله تعالى: «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها». كما أن التسامح يرفع مستوى السعادة؛ لأن التذمر والشكوى ينهكان الجسد والعقل ويستنزفان الروح.

ومن عناصر السعادة أيضًا: أن يضفي الإنسان معنى على حياته عبر استكشاف أهدافه، ووضع خطة لتحقيقها، وبناء علاقات اجتماعية ذات قيمة، ومشاركة الآخرين في إنجازاتهم، وإظهار اللطف والامتنان لمن قدم معروفًا. فهذه الممارسات أشبه بالشموع؛ كلما أوقدتها حولك انتشر عبقها وازدانت بها نفسك سعادة وتألقًا. إنها كبسولات للفرح تأخذ منها متى احتجت.

وأخيرًا، لنتذكر أن بعض الناس ولدوا في بيئات طاردة للسعادة، ومع ذلك انتفضوا على واقعهم واستمروا في نموهم وتجاوزوا معسكرات الألم التي اعترضت طريقهم.

فكل سوء إلى زوال، وكل مصيبة ستصغر، وكل حزن سينقشع... فلنغرد معًا خارج الصندوق، ولنصنع سعادتنا بأيدينا.