حمود بن فلاح العتيبي

حسن الظن بالله عبادة من أجلِّ العبادات، وقربة من أعظم القربات، ودليل على كمال الإيمان وصدق التوكل والرضا بما قدّره الرحمن.

فالمؤمن الذي يثق بربه، ويعتمد عليه، ويأخذ بالأسباب التي شرعها، يعيش مطمئنّ القلب، ثابت الروح، يرى في خطواته بشائر النصر والتمكين والخلاص، ويشعر بأثر حسن ظنه بالله في تفاصيل حياته وقراراته وأعماله، فيسلك طريق الطمأنينة والتفاؤل في كل شأن.

حسن الظن بالله ليس مجرد إحساس عابر، بل هو مبدأ حياة يضبط السلوك ويعزز الصبر ويقوّي العزيمة على فعل الخير، فهو يثمر رجاءً صادقًا، وتوكلًا ثابتًا، وعملًا مباركًا، ويُبعد القلب عن اليأس والإحباط، ومن أحسن الظن بربه وجد في ذلك قوة تدفعه للاعتماد عليه في كل أمر، وهو تعبير صادق عن معرفة العبد بفضل ربه وجوده، ورحمته ولطفه، وعظيم كرمه وحكمته.

فالمؤمن الذي يحسن الظن بربه يعلم أن الله غفور رحيم، واسع العطاء، عليم بما يصلحه، فيسير في حياته واثقًا بأن الله لا يخيّب من رجاه، ولا يضيع عمل من أحسن إليه، وأن السعي الصادق لا يذهب هباءً، وفي الحديث القدسي يقول النبي ﷺ عن ربه تبارك وتعالى: «أنا عند ظن عبدي بي» متفق عليه، وهو تأكيد جليّ على أن حسن الظن بالله مصدر طمأنينة للقلب، وعون على الثبات، ودافع للمبادرة في الخير والعمل الصالح.

وقد ورد في أقوال الصحابة ما يدل على عظم هذه المنزلة، فقال عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه: «والذي لا إله غيره ما أُعطِي عبدٌ مؤمن شيئًا خيرًا من حسن الظن بالله»، وقال ابن عمر، رضي الله عنهما: «عمود الدين وغاية مجده وذروة سنامه: حسن الظن بالله؛ فمن مات منكم وهو يحسن الظن بالله، دخل الجنة مُدِلًّا»، أي: مطمئنًا منبسطًا لا خوف عليه.

وقال سعيد بن المسيب، رحمه الله: «حسن الظن بالله يفتح للعبد أبواب الخير كلها».

وقد ذكر ابن القيم، رحمه الله، أن من يتوكل على الله ويهيئ الأسباب مع حسن الظن به، فإن الله يكفيه ما أهمه ويعطيه ما يرجو؛ ولذلك أكد أن درجة حسن الظن بالله تمثل إحدى مراتب التوكل، فقال: «فعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه»، مما يبيّن الترابط العميق بين حسن الظن بالله وبين الإقدام على الأعمال، والخضوع لقدر الله بثقة مطلقة وطمأنينة راسخة. فكلما ازداد يقين العبد بفضل الله وجوده، ازداد سعيه في الخير واستقامته.

ومما يُجسّد حسن الظن بالله في الواقع ما يُروى عن العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي، رحمه الله، فقد كان يومًا على سطح المسجد يصلح المرزام (مصرف مياه المطر)، فرآه أحد المارة وقال متعجبًا: «لماذا تفعل هذا يا شيخ؟» فأجابه السعدي بثقةٍ ويقين: «لأننا غدًا سنصلي صلاة الاستسقاء». لم تكن هذه الإجابة كلمة عابرة، بل كانت يقينًا بكرم الله ووعده، وإيمانًا بأن من دعاه صادقًا لا يُخيِّبه. فهذا هو حسن الظن في حقيقته: يقين في القلب، وسعي في العمل، وانتظار للفضل من الكريم الوهاب.