جدة: سارة الجحدلي

منذ أن ارتفعت طائرة سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، في أفق السماء، ارتفعت معها أيدي الشعب.. من الكبير الذي يحمل حكمة السنين، إلى الصغير الذي يتعلم معنى الولاء لأول مرة.

كانت الأكفّ تتجه نحو السماء كما تتجه الآمال، ترفع معه الدعاء وترافق خطاه وهو يشق طريقه إلى واشنطن، حاملاً رؤية وطن وصوت أمة.

لم تنخفض تلك الأيدي، ولم يهدأ ذلك الدعاء.. ظلّ معلقًا في السماء حتى لامست عجلات طائرته أرض الوطن من جديد.. عندها فقط انفرجت القلوب قبل الأكفّ، وكأن الأرض نفسها تنفّست حين عاد قائدها، وعادت معه الطمأنينة التي لا يمنحها إلا رجال بحجم الوطن.

كما رأينا جميعًا، هناك لحظات لا تحتاج ضجيجًا لتعلن حضورها.. لحظات يكفي أن يمشي فيها رجل واحد، فيتغيّر وقع الخطوات من مجرد حركة على أرض غريبة إلى نبرة وطنٍ كامل يرافقه أينما ذهب.

وهكذا بدت زيارة، الأمير محمد بن سلمان، إلى أمريكا، ليست زيارة رسمية فحسب، بل فصل جديد يُكتب في قصة قائد شاب، يتعامل مع العالم بثقة من يعرف تمامًا إلى أين يتجه.

منذ اللحظة الأولى التي ظهرت فيها طائرته فوق سماء واشنطن، بدا الأمر وكأن المدينة تهيّأت لاستقبال حضور غير عابر.. الهواء نفسه تغيّر.. الوجوه التفتت، وعدسات الصحافة ارتفعت كأنها لا تريد أن تفوّت لحظة واحدة من هذا المشهد، لم يكن المشهد بروتوكوليًا فقط، كان امتدادًا لهيبة بلد يحمل نفسه بثقة، ويضع ثقله على الطاولة وهو يعلم أن العالم ينصت.

مشهد دخوله القاعات بدا وكأنه لوحة تُرسم بالهدوء.. هدوء القوة، ليس ذلك الهدوء الذي يخفي خوفًا، بل الهدوء الذي يُربك الآخرين لأن صاحبه لا يضطرب.. يمشي الأمير بخطوات ثابتة، تحمل شيئًا من صرامة الصحراء، وشيئًا من اتساع الأفق الذي صاغ رؤية كاملة لوطنه.

وفي تلك اللحظة التي حاولت فيها إحدى الصحفيات انتزاع سؤالٍ يهدف لخلق ارتباك.. حدث العكس تمامًا، التفت إليها بنظرة هادئة، لا تحمل غضبًا ولا حدة، بل يقينًا.. ذلك اليقين الذي لا يحتاج أن يرفع صوته، ولا أن يبرر موقفه، ولا أن يتعثر أمام الكاميرات.

كان الرد موجزًا.. لكنه حمل من الذكاء ما يكفي لوضع النهاية لبداية لم تُكتب أصلًا، كانت لحظة أظهرت للناس شيئًا أهم من الدبلوماسية، أظهرت رباطة جأش قائد يعرف كيف يعبر بين الأسئلة الحادّة كما يعبر بين الأحداث الكبرى.. بثبات، وابتسامة قصيرة، وتنبيه ناعم بأن الثقة وحدها تكفي.

وأمام ذلك المشهد، كان الشعب السعودي يشاهد من بعيد، لكنه لم يكن يشاهد حدثًا، بل كان يرى صورة الوطن نفسه.. يرى ابنًا من أبنائه، شابًا يقف في قلب العالم دون أن يتكئ إلا على ما بناه لوطنه، ودون أن يكرر خطابًا قديمًا أو يستعير لغة من أحد، كان يحمل لغته الخاصة، حضوره الخاص، وطموحه الذي لا يشبه طموح أي دولة أخرى في العالم.

ومع كل ما حملته الزيارة من ثقل وملفات، ظل السودان حاضرًا.. حاضرًا لأن القادة العظماء لا ينسون أرضًا اشتكت، ولا شعبًا ينتظر، ذكره الأمير كمن يرفع راية أخٍ في ساحة واسعة، مؤكّدًا أن المملكة العربية السعودية تُجيد الوقوف حيث يقف الشرف، ولا تدير ظهرها لنداء جارٍ لها!.

كل لحظة من تلك الزيارة بدت أشبه بمرآة، مرآة يرى فيها السعوديون فخرهم، ويرى الآخرون مستقبل المنطقة، عيون العالم كانت عليه، ليس لأنه شخصية سياسية عظيمة، بل لأنه علامة فارقة في عصر جديد، عصر تلتقي فيه القيادة بالحيوية، والسياسة بالرؤية، والطموح بالإرادة الفعلية.

وفي نهاية الزيارة، لم يكن ما بقي مجرد صور، بل واقعٌ تقف فيه المملكة العربية السعودية على خشبة المسرح العالمي بثقة لم تعد تبحث عنها، بل تفرضها، وبأن محمد بن سلمان، بكل ما يحمله من حضور وقوة وهدوء وهيبة.. صار عنوانًا لمرحلة لا تشبه أي مرحلة من قبلها، وتاريخًا سجل نفسه بنفسه.. وصوتًا يردده شعب كامل، يرى فيه امتدادًا لأحلامه وقوته.

هكذا كانت زيارته.. تاريخيه، كُتبت في صفحات التاريخ بهدوء، وشاهدها العالم بصوتٍ مرتفع.