سلمان الحارثي

تبحث المنظمات دائما عن أساليب تجمع بين الكفاءة والجودة، في ظل تسارع التغيير واشتداد المنافسة العالمية. ويقدم منهج التصنيع الرشيق أو التصنيع الخالي من الهدر والجودة الشاملة فلسفتين أحدثتا ثورة لا سيما في الصناعة. فمن نظام إنتاج تويوتا الرائد إلى نظام فورد الحديث، حيث يلتقيان ليشكلا ثقافة التحسين المستمر والتميز المستدام. تقديم منتجات أسرع وأرخص وأعلى جودة، كان هاجس المنظمات منذ بدايتها لذلك واجهت تحديا في المنافسة العالمية للسينما في بدايتها. وكانت هناك فلسفتان تهيمنان على هذا المشهد بدأت مع التصنيع الرشيق (Lean Manufacturing) والجودة الشاملة. وبينما يسعيان معا إلى تحقيق التميز التشغيلي، فإنهما يختلفان في النطاق والأدوات والثقافة. وعند دمجهما، شكلا قوة هائلة أحدثت تحولًا في الصناعات حول العالم.

يقوم التصنيع الرشيق على تعظيم قيمة العميل مع تقليل الهدر إلى أدنى حد. وقد نشأ من نظام إنتاج تويوتا حيث ركز على التحسين المستمر واحترام الإنسان. وكانت له مبادئ خمسة تمثلت في تحديد القيمة من منظور العميل، ورسم خريطة تدفق القيمة للكشف عن الهدر، وإنشاء التدفق لضمان سير العمليات بسلاسة، واعتماد نظام السحب للإنتاج حسب الحاجة فقط، وأخيرا السعي نحو الكمال عبر التحسين المستمر. ولذلك كان التصنيع الرشيق ليس مجرد وسيلة لتقليل التكاليف، بل هو ثقافة تمكن من الابتكار والتحسين يوما بعد يوم. بينما تضمن الجودة الشاملة أن تلبي المنتجات والخدمات توقعات العملاء باستمرار. وقد ترسخت جذورها في أعمال ركزت على التخطيط والضمان والرقابة والتحسين المستمر. وعلى عكس التصنيع الرشيق الذي يركز تكتيكيًا على تقليل الهدر، فإن الجودة الشاملة تبني ثقافة إستراتيجية للتميز تشمل المنظمة بأكملها

رغم ذلك كان للتصنيع الرشيق وإدارة الجودة الشاملة قوانين مشتركة في الأهداف، إلا أن تركيزهما كان مختلفا رغم اشتراكهما في الهدف النهائي وهو تحسين الأداء ورضا العملاء.

لكن من حيث الأدوات، اعتمد التصنيع الرشيق على أساليب عملية مثل تنظيم بيئة العمل (5S)، وكايزن للتحسين المستمر، والنظام المرئي لإدارة العمل كانبان لتنظيم التدفق، وباكا يوكي لمنع الأخطاء. بينما استخدمت الجودة الشاملة أدوات منهجية مثل دورة التخطيط والتنفيذ والفحص والتصحيح، ودائرة الجودة والرقابة الإحصائية على العمليات. أما في جانب المسؤولية، ففي التصنيع الرشيق يتحمل جميع العاملين مسؤولية تحسين العمليات اليومية، مع تركيز خاص على بيئة الإنتاج. في المقابل، فإن الجودة الشاملة تشمل المنظمة بأكملها بقيادة الإدارة العليا، حيث تعتبر الجودة مسؤولية جماعية تبدأ من القيادة وتصل إلى كل موظف. وأخيرا، يختلف أسلوب التحسين بينهما؛ فالتصنيع الرشيق يعتمد على تحسينات تدريجية مستمرة تعرف بمفهوم كايزن، بينما في الجودة الشاملة تتبنى تحسينًا منهجيًا واسع النطاق يشمل جميع مستويات المنظمة بشكل إستراتيجي.

ويظل نظام إنتاج تويوتا النموذج الأمثل ومهد التصنيع الرشيق ومن أبرز أساليبه، الإنتاج في الوقت المناسب، أي التوريد عند الحاجة فقط. وإيقاف الإنتاج بالكامل عند حدوث خلل لضمان الجودة من المصدر. وكان هذا ما عزز مبدأ أن الجودة تبنى داخل العملية نفسها، لا تفحص لاحقا. والنتيجة كانت سمعة عالمية لتويوتا في الاعتمادية والكفاءة.

وفي عام 1913 أحدث هنري فورد ثورة بخط التجميع المتنقل، حيث خفض وقت الإنتاج من 12 ساعة إلى 90 دقيقة. وفي التسعينيات، ومع اشتداد المنافسة العالمية، أطلقت فورد نظام إنتاج فورد المستوحى من تويوتا، والذي ركز على، اللوجستيات في الوقت المناسب، توحيد العمليات عبر المصانع العالمية، أنظمة تصنيع مرنة للتكيف مع النماذج الجديدة، الصيانة الإنتاجية الشاملة لتقليل الأعطال، ومشاركة الموظفين في التحسين المستمر. فعلى سبيل المثال، أعاد مصنع فورد تنظيم محطات العمل لتقليل الهدر الحركي، مما عزز الكفاءة ورضا العاملين. وساعد على استعادة قدرتها التنافسية وتحسين الجودة، مثبتا أن التصنيع الرشيق صالح للتطبيق عالميًا.

منهج التصنيع الرشيق ابتكرته تويوتا، وطبّقته فورد بنجاح لاحقًا، لأنه قابل للتكيف، والجودة والكفاءة لا ينفصلان فالتصنيع الرشيق يبسط العمليات، والجودة الشاملة تضمن رضا العملاء. وجسدت تويوتا وفورد هذا التكامل عبر نظامهما الرائد وتؤكد قصتهما أن التميز التشغيلي لا يتحقق بالدمج لتحقيق قيمة مستدامة. فالتصنيع الرشيق تكتيكي وعملي، بينما الجودة الشاملة ثقافة وإستراتيجية. معًا، يصنعان التميز.