أول ما عرفت الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي معرفة لقاءِ واجتماع كان يوم الأربعاء 1406/11/16هـ (1986/07/23م) حين زرت آثار مَأرِب، وكان قد دعي من قبل جامعة صنعاء لزيارتها، فكان اللقاء أثناء التجول بين تلك الآثار، وقد تحادثنا برهة من الوقت فعلمت أن الأستاذ أحمد كان ــ إذ ذاك ــ مقيمًا في فرنسا منذ عشر سنوات إثر خلاف بينه وبين الرئيس أنور السادات.
ثم بعد ذلك عاد إلى مصر، وكان أن رأيته داخلا دار الكتب ذاهبًا إلى هيئة الكتاب التي يرأسها الأستاذ الدكتور سمير سرحان، فتحادثنا وتواعدنا أن نلتقي، ويظهر أن أعماله لم تمكنه من ذلك.
وكنت أثناء إقامتي في القاهرة إبَّان اجتماع مؤتمر (مجمع اللغة العربية) في شهر رجب وما بعده أتابع قراءة ما يكتب الأستاذ أحمد في جريدة «الأهرام».
وقد اجتمعت به أثناء (مهرجان الجنادرية) منذ ثلاثة أعوام، ومع شدة تطلعي إلى ما يكتبه إخواننا من أدباء مصر عن ذلك المهرجان إلا أنني لم أر فيما قرأت ما هو وثيق الصلة به سوى بحثين كتبهما الأستاذ أحمد في جريدة «عكاظ» أحدهما في 15 ذي الحجة بعنوان (بين الشعر النبطي والشعر الجاهلي) والثاني بتاريخ 22 ذي الحجة 1410هـ عن (تسمية ظالمة) ويقصد إطلاق الشعر النبطي على الشعر المنظوم باللهجات البدوية الدارجة؛ كذا عبر الأستاذ.
والواقع أن ذلك الشعر ليس خاصًّا باللهجات البدوية، بل جل مُجيدي هذا النوع من الشعر من الحضر كابن لعبون وابن سبيل والقاضي وغيرهم، ومنهم الشاعر الذي استشهد ببيت من شعره وقال: إنه شاعر عنيزة عبدالرحمن الإبراهيم الربيعي.
إِذَنْ فالقول بأن الشعر العامي ينظم باللهجة البدوية الدارجة ليس صحيحًا بل وباللهجة الْحَضَرِيَّةِ العامية.
وما دام لدى الأستاذ مجموعة (الأزهار الندية من أشعار البادية) فسيجد فيها كثيرًا من شعر أبناء المدن كآل القاضي، وابن سبيل، وابن ربيعة، وابن لعبون وغيرهم.
كما يجد أشعارًا لبعض مشاهير أبناء البادية مثل بُدَيْوِي الوقداني، وتركي بن حُمَيْد، وراكان بن حثلين وغيرهم.
ولكن الذي ينبغي أن يلاحظ أن اللهجة بين أبناء البادية وأبناء المدن كانت إلى عهد قريب تقل فيها الفوارق، وكانت أقرب إلى اللهجة الفصحى منها إلى ما عليه هذا النوع من الشعر الآن، بعد أن توحدت أجزاء المملكة، فكثر الاختلاط بين السكان وقوى الاتصال ببعض الأقطار المجاورة مما أثَّر في جميع مظاهر الحياة في هذه البلاد، لا في اللغة وحدها، بل في كل نمط من أنماط الحياة.
أما إطلاق اسم الشعر النبطي على هذا النوع من النظم فأنا لا أراه منسوبًا إلى الأنباط وإنما هو مشتق من (تنبط الكلام): استخرجه، وفي رجز رؤبة:
يكفيك أثر القول /وانتباطي فالانتباط كَدُّ القريحة لنظم الشعر، ومن تعبيرات العامة في نجد: (فلان ينبِّط ببويتات) أي إنه يُعْمِلُ قريحته فينظم أبياتًا قليلة وهو مأخوذ من: (أنبط البئر:
استخرج ماءها) فكأنَّ الشاعر يكدُّ قريحته فتنبط الشعر كحافر البئر، حين يصل إلى أرض صلبة فَيَنِزُّ منها ماءُ قليل، فيقال: (انبط الماء).
قد يبدو هذا المعنى متكلفًا، ولكنني كثيرًا ما كنت أسمع قولهم: (فلان ينبط بعض الأبيات) مع ملاحظة أن هذا النوع من النظم كان قديمًا، كما أشار الأستاذ أحمد عبدالمعطي إلى الصلة بينه وبين الشعر الجاهلي في مقاله الأول.
1990*
* باحث وكاتب وصحافي سعودي «1910 - 2000»
ثم بعد ذلك عاد إلى مصر، وكان أن رأيته داخلا دار الكتب ذاهبًا إلى هيئة الكتاب التي يرأسها الأستاذ الدكتور سمير سرحان، فتحادثنا وتواعدنا أن نلتقي، ويظهر أن أعماله لم تمكنه من ذلك.
وكنت أثناء إقامتي في القاهرة إبَّان اجتماع مؤتمر (مجمع اللغة العربية) في شهر رجب وما بعده أتابع قراءة ما يكتب الأستاذ أحمد في جريدة «الأهرام».
وقد اجتمعت به أثناء (مهرجان الجنادرية) منذ ثلاثة أعوام، ومع شدة تطلعي إلى ما يكتبه إخواننا من أدباء مصر عن ذلك المهرجان إلا أنني لم أر فيما قرأت ما هو وثيق الصلة به سوى بحثين كتبهما الأستاذ أحمد في جريدة «عكاظ» أحدهما في 15 ذي الحجة بعنوان (بين الشعر النبطي والشعر الجاهلي) والثاني بتاريخ 22 ذي الحجة 1410هـ عن (تسمية ظالمة) ويقصد إطلاق الشعر النبطي على الشعر المنظوم باللهجات البدوية الدارجة؛ كذا عبر الأستاذ.
والواقع أن ذلك الشعر ليس خاصًّا باللهجات البدوية، بل جل مُجيدي هذا النوع من الشعر من الحضر كابن لعبون وابن سبيل والقاضي وغيرهم، ومنهم الشاعر الذي استشهد ببيت من شعره وقال: إنه شاعر عنيزة عبدالرحمن الإبراهيم الربيعي.
إِذَنْ فالقول بأن الشعر العامي ينظم باللهجة البدوية الدارجة ليس صحيحًا بل وباللهجة الْحَضَرِيَّةِ العامية.
وما دام لدى الأستاذ مجموعة (الأزهار الندية من أشعار البادية) فسيجد فيها كثيرًا من شعر أبناء المدن كآل القاضي، وابن سبيل، وابن ربيعة، وابن لعبون وغيرهم.
كما يجد أشعارًا لبعض مشاهير أبناء البادية مثل بُدَيْوِي الوقداني، وتركي بن حُمَيْد، وراكان بن حثلين وغيرهم.
ولكن الذي ينبغي أن يلاحظ أن اللهجة بين أبناء البادية وأبناء المدن كانت إلى عهد قريب تقل فيها الفوارق، وكانت أقرب إلى اللهجة الفصحى منها إلى ما عليه هذا النوع من الشعر الآن، بعد أن توحدت أجزاء المملكة، فكثر الاختلاط بين السكان وقوى الاتصال ببعض الأقطار المجاورة مما أثَّر في جميع مظاهر الحياة في هذه البلاد، لا في اللغة وحدها، بل في كل نمط من أنماط الحياة.
أما إطلاق اسم الشعر النبطي على هذا النوع من النظم فأنا لا أراه منسوبًا إلى الأنباط وإنما هو مشتق من (تنبط الكلام): استخرجه، وفي رجز رؤبة:
يكفيك أثر القول /وانتباطي فالانتباط كَدُّ القريحة لنظم الشعر، ومن تعبيرات العامة في نجد: (فلان ينبِّط ببويتات) أي إنه يُعْمِلُ قريحته فينظم أبياتًا قليلة وهو مأخوذ من: (أنبط البئر:
استخرج ماءها) فكأنَّ الشاعر يكدُّ قريحته فتنبط الشعر كحافر البئر، حين يصل إلى أرض صلبة فَيَنِزُّ منها ماءُ قليل، فيقال: (انبط الماء).
قد يبدو هذا المعنى متكلفًا، ولكنني كثيرًا ما كنت أسمع قولهم: (فلان ينبط بعض الأبيات) مع ملاحظة أن هذا النوع من النظم كان قديمًا، كما أشار الأستاذ أحمد عبدالمعطي إلى الصلة بينه وبين الشعر الجاهلي في مقاله الأول.
1990*
* باحث وكاتب وصحافي سعودي «1910 - 2000»