نادر هو ذلك المؤدي الذي يحملك على أجنحة الدهشة، ويحلق بك فوق عوالم كنت تجهل بوجودها، وأنت قابع على مقعدك خلف شاشة، لاتدري إن كنت ما تزال مراقبا للطقوس التي تجري داخلها، أو أصبحت بعض مفرداتها، وهذا مايفعله بنا يحيى الفخراني في مسلسله الخواجة عبدالقادر، قد تختلف مع الفكرة التي يطرحها المسلسل، وهو يعوم في بحر روحاني لم نلامس حتى شواطئه في أعمالنا العربية، لكن لا يحق لعاقلَين أن يختلفا على أداء الفخراني، وقد بلغ قمة إشراقه في هذا العمل الذي استغرقنا منذ أول مشهد، فحين لاتستطيع أن تتوقف عن قول كلمة واو أثناء متابعتك لأداء فنان، فأنت أمام قامة لاتقل عن كبار هوليود أنطوني كوين، مارلون براندو. الخواجة عبدالقادر مسلسل لم يكن له أن يُكتب للشاشة لو لم يوجد الفخراني في دنيانا، فمن سيعطيك هذه التعابير المتناقضة في مشهد واحد، ويقنعك بها؟ من يجعلك تصدق أن داخل ذلك الثوب الفضفاض طفل يبحث عن إجابات لأسئلته البريئة والمخيفة؟. فالخواجة ما هو إلا الإنسان في أطواره الأولى يتعلم اللغة، والدين، والدنيا، يسأل ويلح في السؤال، ويجعل من أسئلته كائنات ذات أجنحة! إنه الأداء الذي يحيلنا إلى خواجات أو أطفال، نريد أن نعرف، ونريد أن نشعر، ونريد أن نمسك بالخيط الذي يرتفع بنا فوق الحقيقة، لنمشي بعد ذلك على ماء الفن بقدمين حافيتين، يهيم بنا وقد استحال من لحم ودم إلى سوانح وخطرات وأفكار مجردة، إنه الخواجة الفخراني الذي يؤدي بينما بقية الفنانين العرب يمثلون.