نجاح 'هيئة تقويم التعليم' يأتي من تعيين المتخصصين من جميع دول العالم، وألا تخضع الهيئة لشبح المجاملات بنقل أسماء أصحاب التجارب المكرورة الفاشلة من 'التربية' إليها، حتى لا نستمر في هدر أموالنا وعقول أجيالنا

المجتمعات المتقدمة تتميز بتحركها وتغيرها لاستجابات فطرية عند الحاجة نحو التقدم للأفضل، تتخللها الإرادة الحرة الباحثة عن بصيص الأمل في كل مكان لحياة أرحب وأكرم، وكل تغيير نأمله الآن على خارطة وطني هو استجابات لرؤى سعودية تتطلع لصناعة مستقبل زاهر، يبدأ من أهم أسس الحياة الإنسانية (التعليم)، وذلك لن يتأتى إلا بإحداث ثورة في نظام التعليم السائد الذي يئن تحت كثير من التراكمات والترهلات المتكلسة تعليمياً وتربوياً.
وللأمانة فإن مبادرة خادم الحرمين الشريفين في تأسيس هيئة تقويم التعليم العام ونوعية الأدوار التي ستقوم بها - وفقاً لقرار مجلس الوزراء - بجعلها هيئة ذات شخصية اعتبارية مستقلة تتمتع بالاستقلال المالي والإداري يأتي مواكباً زمناً ومكاناً لمرحلة يتسارع فيها تطوير التعليم وتجويده في جميع دول العالم، التي تستمد من بناء نظام التقويم ضمان جودة التعليم بالمعايير والمؤشرات الناجحة التي تجعل من المخرجات بناءً للأجيال.
مشروع هيئة تقويم التعليم العام أعتقد أنه كسائر مشاريعنا التي تريد أن تقود إلى التغيير في صبغتها وسياقها من قبل صناع القرار نحو الصالح العام، ومن هذا المنطلق أحاول هنا طرح بعض الرؤى للنقاش حتى تتجانس وتتفاعل لصالح تلك المبادرة.
من المعروف أن مراكز التقويم في معظم دول العالم عبارة عن هيئات ذات طبيعة مستقلة، ومهام محددة، تحكمها لوائح تنظيمية معتمدة، وتحدد أطر عملها ومرجعيتها، ولها مجالس إدارتها الخاصة بها، وفرق متخصصة من الكفاية في القياس والتقويم وعلومه، وهؤلاء هم (مربط الفرس) هنا، لأننا عندما نلتفت وننادي باسم متخصصي القياس والتقويم نجدهم بعيدين، لندرتهم عدداً وتطبيقاً في كلياتنا وميداننا التربوي!
بداية أي مشروع تربوي وبنائه لن يكون إلا بالاستعانة بالخبراء والمتخصصين والباحثين من كل مكان على وجه المعمورة، لتتجانس العقول فائدةً وإيماناً بالتغيير الحقيقي ودفع ثمنه مهما غلا أو كثر، وهنا أمامنا الاستعانة بالخبراء الأجانب ومنظمات الاعتماد العالمية – سأتبعها بمقال قادم - وكذلك الاستعانة بالكادر السعودي المتخصص والمتميز (فقط) لأنهم خزائن معرفة وخبرة وتطلعات اختمرت في (انتظار) إفساح المجال أمامها، ومنحها فرصة للتعبير عن تلك الرؤى والأهداف السامية، قدرات بذلت عمراً في مجال التربية واحترقت إيقاداً لشموع الظلام، فاكتسبت خبرات ثمينة آمنت بحتمية التغيير وخوض التحديات.
لذلك فإن نجاح هيئة التقويم يبدأ من تعيين متخصصين وكوادر معروفة وبيوت خبرة من جميع دول العالم، وفي المنعطف الآخر تكون التعيينات (محلياً) أولاً، داحضةً لأسطورة السلطة المطلقة (المجاملات) عبر العلاقات الشخصية، والتي قد تتقصى أصحاب التجارب المكررة التي لم يكتب لها النجاح من مسؤولي وزارة التربية أو مشرفيها، أو من قبل ثلة كبيرة من أصحاب (السنوات المكرورة) في التعليم ونقول عنهم إنهم خبراء، أو بقاعدتنا الشعبية في أكل الكعك.. من تعرف يا فلان أنه كويس؟ ألحق ترى فيه مميزات وبدلات..!
تستمر أحلامنا في تعديل الكثير من الأوضاع التي تجعل مشاريعنا خياراً استراتيجياً، لنخلق به سعوديين قادرين على أن يفوقوا العالم قدرة وإبداعاً وطموحاً وتحدياً، وندرك إيجاد جيل مؤهل وقادر على مسؤولية العصر، وهذا ما نأمله أن تدشن هيئة تقويم التعليم العام بأهداف واضحة وتخطيط سليم، وتنظيم ومتابعة وتقويم للتغييرات، وإلا فإنها ستكون مرتجلة بها أزمة اختيار وليست أزمة كفاءات، ويتسرب حينها الوقت والمال هدراً، وتتبع غيرها من المشاريع والهيئات لأجيال قادمة يقودها التعليم العشوائي المتخبط في وقتٍ لا نحتاج فيه التأخر عن الركب العلمي والمعرفي بسطر واحد.