أسئلة تبحث عن إجابة.. هل ما يقولونه صدق أم دجل؟
حين يندلق ماء وجه المرء على الأرض يخسر ذاته والآخرين. هذا ما يفترضه الإنسان الحقيقي في دواخلنا، لكنك تقف حائرا أمام أولئك الذين تنساب مياه وجوههم كل يوم دون أن تشعر بأن هنالك أزمة حقيقية تجاه ذلك، ربما تعوّدوا ذلك، أو أن لديهم بالفعل ما يجبرهم على التسوّل وإراقة ماء الوجه، لينساب على الأرض، ويتلوّث بالتراب، فيزداد الشخص تشوّها.
عندما وقفت أمام ذلك المسن (الوافد)، وسألته عن السبب الحقيقي في تسوّله لم يخف خوفه مني، كان مترددا في الحديث، وبعد لحظات بدأ يتحدث، وأخبرني بأن الذي أجبره على اقتراف هذا الأمر، هو إعاقة ابنه، فهو يتنقل من مسجد لآخر، ومن مكان إلى مكان، طلبا للمساعدة في تلبية احتياجات هذا الابن المعتل. ويذكر أن ابنه يحتاج إلى عناية مستمرة، وهذا ما لا يطيقه، ويجبره على طرق أبواب التسول، ورمي وجهه على الطرقات.
لم أفكر فيما إن كان هذا عذراً مقبولاً أم لا؟ فتركته لأتجه لتلك السيدة (من جنسية عربية)، فذكرت لي بأنها على أعتاب استقبال مولود جديد، وقد قرر الأطباء لها عملية قيصرية، وزوجها يعمل ميكانيكيا للسيارات، ولا يستطيع توفير مبلغ هذه العملية، فاضطرت للتسول مرغمة على ذلك، لأتأكد بأن هنالك أبناء يولدون على حسنات الآخرين.
سرت بعيدا، بعد أن تركت خلفي امرأة ستولد، وربما لا يعرف ابنها هذا، بأنه دفع أمه ذات يوم لأن تدلق ماء وجهها على أرصفة الشوارع لكي يعيش، فصادفت وافدة أخرى عند باب أحد المساجد، ومعها ابن تبدو عليه ملامح حادث مأساوي، وحين سألتها عن سبب تسولها قالت إنني أطلب الناس لأن ابني هذا مصاب بارتجاج في المخ إثر حادث تعرض له. وتضيف لقد مكث في مستشفى الملك خالد المدني في تبوك قرابة الشهر بعد تعرضه للحادث، ولا تزال حالته متدهورة، وأنا الآن أقوم بشراء إبر لعلاج تشنجاته المتكررة من مستشفى خاص، الأمر الذي أرهقني، وزاد من تكاليف العلاج، فلم أستطع إلا أن أطلب الناس.
الصحة: المقيمون نظاميا يغطيهم التأمين
عندما ابتعدت عن هؤلاء الناس وقف أمامي سؤال مهم، لم أجد له إجابة: هل ما يقولونه صدق أم دجل؟ وهل وزارة الصحة توفر لأمثال هؤلاء العلاج اللازم؟ لذا توجهت إلى مديرية الشؤون الصحية بمنطقة تبوك لأجد إجابة شافية تبصّر نفسي والمقيمين بحقوقهم، وتضع في ذهن المواطن الصورة كاملة، فأوضح لي مدير العلاقات العامة والإعلام بالمديرية عطاالله العمراني أن كل المقيمين في المملكة تحت طائلة التأمين الطبي، وشركات التأمين هي المسؤولة عن علاجهم، وذكر أن المشكلة الوحيدة التي قد تحدث في المستشفيات هي تأخر استجابة شركات التأمين لعلاج المقيمين، أما بخصوص بعض الوافدين غير النظاميين فهم يختلقون أعذارا لكي يبرروا موقفهم، فلو كان وجودهم في المملكة نظاميا فسيوفر لهم التأمين الطبي العلاج اللازم.
جمعية الملك عبدالعزيز: نحن مستعدون لهم
لم أقف عند هذا الحد، فذهبت إلى جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية، لسؤالهم عن هذا الأمر فأفادني مدير الرعاية الاجتماعية علي السحيمي أن الجمعية على استعداد لتوفير كل المصاريف العلاجية، والتكفل بجميع الأمور المادية التي تغني المتسول عن الحاجة للسؤال، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، شريطة أن يثبت لدينا حاجتهم إلى ذلك. وسألته عن الحلول لمثل هذه الظاهرة فأجاب: الحلول تكمن في زيادة الوعي لدى المواطنين، وتفعيل دور هيئة مكافحة التسول، وفرض غرامات على أصحاب المطاعم والمحال التجارية الذين يسمحون للمتسولين باتخاذ أبواب محلاتهم مكانا للتسول. وأضاف: على المؤذنين وأئمة المساجد دور كبير في منع المتسولين من المكوث أمام أبواب المساجد.
مكافحة التسول تصرخ: نعمل وحدنا
تركت كل شيء خلفي، واتجهت إلى الجهة المعنية بهؤلاء الناس للسؤال عن أوضاعهم، وطريقة التعامل معهم، إنها مكافحة التسول بكل تأكيد، وحين وصلت ذكر لي مصدر مسؤول فيها (فضل عدم ذكر اسمه) أن غالبية المتسولين ليسوا مقيمين، فأكثرهم من مخالفي نظام الإقامة، إما عن طريق العمرة والترانزيت، أو التسلل عبر الحدود، فتجد أكثر الأماكن التي يوجدون فيها عند الإشارات المرورية. وأضاف أن الإجر اءات المتبعة في التعامل مع المقيمين المتسولين في حالة القبض عليهم، أن يتم تحويلهم إلى أقسام الشرطة بعد كتابة محضر ضبط بالحالة، كونها الجهة المعنية بهم. وتابع: للأسف إن أغلب حالات التسول متكررة، ويتم القبض على نفس الأشخاص والوجوه. ورأى أن الحل الوحيد للحد من انتشار ظاهرة تسول المخالفين هو ترحيلهم خارج البلاد، لافتاً إلى أنهم يقومون بأعمالهم من خلال بيئة منظمة، وفي بعض الأحيان يتم القبض عليهم في شقق مفروشة يستأجرونها عن طريق الجواز فقط دون التثبت من شرعية إقامتهم. وأردف هناك أكثر من عائلة قمنا بالقبض عليها كانت تسكن في هذه الشقق المفروشة؟ وذكر أن السبب يعود إلى أن غالبية العاملين في الشقق المفروشة لا يملكون الخلفية الكافية في كون هؤلاء الأشخاص مخالفين لنظام الإقامة، فيعتبر الجواز وحده وثيقة رسمية، فيقوم بتأجير الشقة للمتسولين، فيما يقوم البعض الآخر من المتسولين بالتستر تحت اسم أحد المقيمين الذي يقوم باستئجار الشقة لهم. وأكد أن المسؤولية في متابعة هذه الحالات ترجع إلى البحث الجنائي بالدرجة الأولى.
وعن المشكلة الحقيقية في انتشار هذه الظاهرة، قال المصدر: المشكلة الرئيسة في هذا الموضوع تعود في المقام الأول إلى عدم تكامل الجهود بين الجهات المعنية. وأضاف: نحتاج أيضاً إلى تعاون الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لتوجيه الأئمة وتخصيص إحدى الخطب للتحدث عن ظاهرة التسول، ومنع المتسولين من التسول داخل المساجد.
عقبة التعاطف
وفي هذا الصدد يقول مدير المتابعة والحماية الاجتماعية بمنطقة تبوك أحمد الجوهري إن إحدى العقبات التي تواجه عمل مكافحة الفساد، هي تعاطف المواطنين مع المتسولين، حتى إننا واجهنا معارضات ومضايقات من عدد من المواطنين أثناء عملنا الميداني؛ بحجة أن هؤلاء في حاجة ماسة للمال، وأنهم يعولون أسرا. ويوضح أن انتشار هذه الظاهرة مستمر ما دامت التوعية من جهات الإعلام والصحافة ضعيفة، مشدداً على أن هؤلاء المتسولين غير معروفين ومن جنسيات مختلفة. وذكر أنه تم إلقاء القبض على مقيم متستر بزي امرأة في أحد المراكز التجارية وبحوزته 70 ألف ريال، ويقول إنهم يمتهنون هذا العمل خلال وجودهم في المملكة بقصد التكسب، ثم العودة إلى بلادهم بالأموال.
خرجت من مكافحة التسوّل، وصور عدد من المتسولين تتساقط أمامي على الأرض، لتذروها الرياح.