إلى أن نتعلم أن قوتنا في وحدتنا، في إيماننا وثقتنا بالخالق، وأن مستقبلنا ينبت من أرضنا وبأيدينا، من عرقنا وفكرنا حينها.. وحينها فقط؛ نستطيع أن نقف على طريق التغيير
يقول أبراهام لينكولن: إن تسمية البقرة فرسا لا يجعل البقرة فرسا، ولكن عندما تتابع الحوارات الجارية على كل الأصعدة، نجد إقبالا شديدا من الكثير منا على تقبل أن البقرة تحولت ـ وبقدرة قادرـ إلى فرس! ومهما حاولنا أن نطلب منهم أن يشغّلوا الفكر والمنطق بعيدا عن المشاعر، التي غالبا ما يعتمد عليها صاحب نظرية البقرة، نصطدم بجدار من العناد إن لم يكن جهلا! لقد غُسلت العقول بأقوى أداة وهي التلاعب على المشاعر من خلال سلاح الصورة، والتي أغرقونا بها ليل نهار، وعلى كل شكل وطعم ولون، فأصبحنا سجناء زنزانات المشاعر، سلبنا حتى حرية الاختيار، بدءا من أبسط مواطن إلى أكثرنا علما وثقافة. التضليل لم يترك شريحة إلا وكان له أثر واضح فيها!
وحين تحاور أحدهم عما قيل في نقاش ما، يتعدى المفاهيم والأدلة، ويركز على التفاهات، كمثل من يركز على أن المحاور عطس ولم يستخدم منديلا أو حتى يعتذر، بل أكمل حديثه وكأن شيئا لم يكن! تحاول حينها أن تمسك أعصابك ولا تفلت منك: يا سيدي أنت من لم يكن ولن تكن، إن استمررت على هذا المنوال من التفكير!. أحيانا أتساءل هل هي طريقة في الهروب من جرس المنطق، والذي ولا بد أنه يضرب رؤسهم بالمطارق؟ ولكن للأسف نجد أن الجهل بهم لاصق ويأبى أن يفارق!. لا بد أن يكون كذلك، فمهما حاولنا أن نجد لهذا التهرب من تفسير، نعجز حتى عن إيجاد ولو عذر واضح يدلنا على ما يجري داخل العقول المغلقة، عفوا المغّلفة؛ لأننا لا نستطيع أن ننكر وجود العقول، ولكن بالوقت نفسه لا يمكن ألاّ نرى أنها بالجهل محاصرة!.
المشكلة أنهم يتحدثون عن المحبة، عن التآخي، عن التعاون، وينبذون التعصب والفتن، يمطرونك بالمواعظ عن كيفية التعامل مع أخيك الإنسان، ويشددون على فعل الخير ووصل كل منقطع والتقريب بين البشر، كلام على ورق، نثر يلامس روحك من حلاوته، ولكنه خارج ممن بلا روح؛ لأنك فجأة ومن غير أي إنذار تجدهم يساندون مدراس فكرية أقل ما يقال عنها إنها مدمرة، تحضر لهم حوارات من على منابر أكادمية أو دينية أو ثقافية، وبعد مدة تفاجأ بأنهم في حوار آخر يهاجمون نفس المنابر من منابر أخرى، داعمين لأقوالهم بكل ما يجدونه من براهين وأدلة واهية إن لم تكن مزيفة!. ماذا؟! أيعتقدون أننا بشر بلا ذاكرة! ربما هذا ما يتمنونه، ولكن أين المفر ومقاطع قد سجلت لهم بالصوت والصورة تشير على تلاعبهم وتلونهم حسب سير الرأي العام أي: معكم معكم.. عليكم عليكم!.
كيف نلوم شبابا لنا يتخبط بين مدارس الفكر المضلل، ومدارس الفكر المعتدل، منهم من يترك الجمل بما حمل، ويتجه غربا بحثا عن الحقيقة، ومنهم من يقع في براثين الكراهية ويجندون أنفسهم في الدفاع المستميت عمن يحركهم بخيوط بالغة الشفافية تكاد لا تُرى بالعين المجردة، يبقيهم في الظلام؛ لأنه لو سُلط الضوء عليهم لانتبهوا للمعان تلك الخيوط وظهرت لهم حقيقة أنهم ليسوا أكثر من لعب بين أصابع كل أراجوز محترف، وبين ضجيج كل هذه الجوقات لا يُسمح للفكر المعتدل بأكثر من أن يهمس.. وعلى استحياء، لأنه كلما علا صوت هُوجم ومُزق شر تمزيق!.
إلى أن نتعلم كيف نصغي، ونحلل كل صغيرة وكبيرة، ولا نأخذ بكل ما يرمى تجاهنا كمعلومات مسلم بها، إلى أن نستعيد حقنا في السؤال والإصرار على معرفة الحقائق مهما كانت صادمة أو جارحة، على الأقل لا نسير على عمانا إلى أن نلدغ فنصرخ ألما: كيف جرى هذا؟ إلى أن نتعلم بألا نشعر بأي إحراح من أن نعارض ونحاسب، إلى أن نتعلم كيف نصر على الإجابة، ولا يُشتت انتباهنا كلما رُمي إلينا بأمر يخرجنا عن الطريق، إلى أن نتعلم كيف نبتعد عن النعت بالصفات، ونبحث ونحلل وندقق بالمواصفات، إلى أن نتعلم كيف نعود للأصل؛ للتعريفات الإجرائية لكل مفردة تقدم لنا على أنها مفهوم قديم أو حتى جديد، إلى أن نتعلم كيف نكتشف خباثة التلاعب بالمفاهيم ونقول لصاحب البقرة: لا نحتاج لبقرتك فلدينا الفرس ولدينا الفرسان، إلى أن ندرك أن الضمير لا يتجزأ، فإما نائم وعليه السلام وإما يقظ ومن خلاله يُرسم السلام، إلى أن نتعلم أن الصديق لا يمكن أن يكون صديقا في مكان وعدوا في مكان آخر، إلى أن نتعلم أن قوتنا في وحدتنا.. في إيماننا في ثقتنا بالخالق، وأن مستقبلنا ينبت من أرضنا من عرقنا من فكرنا وبأيدينا، وبأن تربة تضم آباءنا وأجدادنا لا تُترك لأي عابث يُعرض طهرها للمخاطر، حينها.. وحينها فقط؛ نستطيع أن نقف على طريق التغيير، وبإذن واحد أحد سنبدأ ومن ثم سنسير.