إذا قدمت هذه الأيام إلى ما يمكن أن يطلق عليه بـمركز بيع الفل الرئيسي بسوق اليمنة الشعبي بجدة، فإنك ستتعب نفسك كثيرا حتى تحصل على ما تريده من أنواع الفل المختلفة، فلا مجال هذه الأيام في بيع التجزئة (الفردي)، كما يقول صاحب أحد المحلات وهو غانم حديره، وهو يتحدث إلى الوطن، ويشير بيده نحو دفتر الحجز، قائلاً باللغة المحلية الدارجة: انظر ما عاد في مجال لاستقبال طلبات الزبائن.
حفلات الأعراس التي تكثر مع بداية السنة الهجرية الجديدة خاصة في شهر محرم، والتي يشكل فيها الفل مكونا رئيسيا ضمن تجهيزات الحفل، دفعت بالعديد من العوائل، إلى الحجز المبكر مما سبب ازدحاما في تلك الردهة الضيقة (الزقاق)، التي تنتشر بين جنباتها المحلات المتخصصة في بيع الفل، أحد العاملين من العمالة اليمنية كان يفاوض امرأة مسنة برفقة ابنتها الشابة حول تجهيز طلب (50) عقد فل الذي يسمى محليا بـالكبش، لحفلة زواج نجلها الأكبر في الخامس من محرم المقبل، وتقول السيدة بحرية سرور: إنها اختارت الكبش لسعره المنخفض وجمالية طراز شكله.
ومن خلال تقصي الوطن يشير البائعون إلى وجود نوعين من الفل يتصدران مشهد الطلب من الزبائن هذه الأيام، الأول الفل العريشي القادم من مدينة أبوعريش (شرق منطقة جازان)، وهو أجود وأكثر الأنواع المطلوبة من قبل المشترين لرائحته القوية وحبته البيضاء. أما النوع الثاني الذي قال عنه أصحاب تلك المحال والمنتشر بكثرة هو الفل اليمني، الذي يتراوح سعر العقد الواحد الذي تبدأ تسعيرته من عشرة ريالات، ويرتفع إلى 30 ريالا للعقد المميز.
البائع سعد عريشي الذي وجدناه يسجل حجوزات لزبائنه، تحدث بلغة اقتصادية عن عمليات ركود البيع الخفيف، التي تبدأ من رمضان ثم تنتعش في شوال، ثم يعود الركود من بداية ذي القعدة ويستمر حتى الخمسة عشر يوما الأولى في شهر ذي الحجة، ثم يعود الانتعاش الكبير – على حد وصفه – بعد ذلك معللا ذلك بكثرة تنسيق الأهالي حفلات زواجهم مع بداية محرم من كل عام ويستمر التصاعد في عمليات البيع بشكل جيد.
وحول تجهيز الطلبات يؤكد عريشي أنهم يحاولون التوازن في عمليات البيع وحجز طلبات الأعراس، التي عدها – حسب قوله – الأكثر طلبا في هذا الوقت طوال العام بالنسبة إليه، فيقوم بتدابير احتياطية مع ترتيب كميات كبيرة من الموردين الرئيسيين، لازدياد الطلب عليهم من السكان المحليين بجدة. تستطيع أن تسمع وأنت تتسوق في ذلك الزقاق الضيق، الذي تسيطر على أجوائه عبق الفل ورائحته، رنين هواتف أصحاب المحلات، لحجز الطلبات التي لا تتوقف لا في ساعات النهار أو الليل.