ما زلت أتذكر السخرية الساذجة من بعض المتحمسين لولادة ديمقراطية هجينة وإن كان سبيلها نزف الدم العربي، حين أوضحت موقفي قبل عامين عبر ما كتبته من مقالات وما أتحدث عنه في مواقع التواصل الاجتماعي من أن ثورات الربيع لم تكن سوى شرارة البداية لتنفيذ خارطة الشرق الأوسط الجديد في المنطقة، كان كلامي صادما وسابقا لوعيهم رغم أني لا أهتم بالسياسة إلا كمتابعة فقط، ولستُ ضد أهداف الثورات النبيلة التي يحلم بها العرب، لكني ضد استغلال العواطف العربية المحرومة لتحقيق أهداف تسعى لتعزيز إيران وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط مقابل إضعاف العرب وتقسيمهم إلى دويلات دينية وعرقية تتناحر فيما بينها، ليبقى الإنسان العربي أيا كان دينه وعرقه ومذهبه من يدفع الثمن! ومع الأسف ما يزال حتى اليوم كثيرون يغرقون في هذا الوهم ويدافعون عن حرية سوف تستعبدهم إن لم يتفكروا فيها جيدا ليقطفوا ثمرتها بدلا من مرارتها!
تلك السخرية لا تختلف عن سخرية بعض المحللين السياسيين الخليجين والعرب منذ سنوات، من إحياء الإدارة الأميركية في عهد بوش الابن فكرة خارطة الشرق الأوسط الجديد، متناسين أن أميركا لا تمزح حين يقر مجلس شيوخها هذا المشروع وتجعله ضمن استراتيجية السياسة الأميركية المستقبلية، لكنهم استمروا في سطحيتهم وسخروا من مقترح كوندليزا رايس في سبيل تحقيق الفوضى الخلاقة، وهؤلاء المحللون أنفسهم ـ نتيجة سطحيتهم وقشريتهم ـ كانوا أوائل المطبلين العاطفيين للفوضى الخلاقة التي تنزف دماء الآن في الدول العربية المنهارة.
ولأننا لا نقرأ التاريخ جيدا، دعونا نتعرف على رجل حصل على ما يقارب 15 دكتوراه شرفية لما يقدمه من أبحاث وكتب ومقالات حول العرب وتاريخ الإسلام، ففي عام 1916 ولد برنارد لويس في لندن من أسرة يهودية، وهو أستاذ بريطاني أميركي، يعد من أهم الأساتذة والمؤرخين المتخصصين في الشرق الأوسط، درس تاريخ الإسلام وعلاقته مع الغرب، وحين كان شابا ولع كثيرا بدراسة اللغات فبدأ بلغة ديانته العبرية ثم درس اللغة العربية وبعد ذلك اللاتينية والتركية والفارسية، ويذكر أنه عمل في الجيش البريطاني في الهيئة الملكية المدرعة وهيئة الاستخبارات ثم عاد إلى التدريس الجامعي في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، ومنها انتقل إلى الولايات المتحدة ليعمل في جامعة برنستون الشهيرة حتى تقاعده، هذا الرجل لديه العديد من الكتب تتعلق بالإسلام والعرب في الشرق الأوسط، ونتيجة لضعف الترجمة العربية الهشة، بقيت أفكاره بعيدة، وكان أشهر كتبه أزمة الإسلام، وقد ارتبط اسمه سلبيا بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ممن حرضوا البيت الأبيض على حرب العراق 2003 كما يُروى، وإن نفى ذلك كما جاء في حوار قرأته له بجريدة الشرق الأوسط أجراه معه رئيس تحريرها الدكتور عادل الطريفي في مارس الماضي.
العرب سمعوا كثيرا باسم برنارد لويس فهو من قدم للمؤسسة الأميركية مشروع خارطة الشرق الأوسط الجديد! فلماذا الخريطة! وما علاقتها بما يحصل اليوم في الدول العربية؟! علينا أن نفكر معا في هذه الأسئلة إلى الغد.