اختفى شعار الأصابع 'الأربع' وأخواتها وليست سوى شعارات، لكن رموزها باقون ويتنفسون في بيئتنا بمعتقداتهم دون حاجتهم لتعليق الشعارات
اختفى شعار الأصابع الأربع وأخواتها وليست سوى شعارات، لكن رموزها باقون ويتنفسون في بيئتنا بمعتقداتهم دون حاجتهم لتعليق الشعارات، وربما يتمكنون من تمرير أفكارهم تحت دائرة المتاح والمسموح بالمحافظة على قالب القبول، وقد ظهر الاستياء على الكثيرين من خلال التعبيرات التي رأيناها بعد الإعلان عن تجريم الجماعات الإرهابية التي لبست ثياب التدين، واكتسبت تعاطف الجماهير، وتعاقدت معهم بصفقة نفسية تنفذ أجنداتها من خلالهم، باستغلال فكرة التعاطف للانتماء العقدي والمرجعية الدينية، كون الدين مرتبطا ارتباطا وثيقا بالحياة الاجتماعية، إضافة إلى إثارة المحركات العاطفية التي تزين وعود الموت بالنجاة والسعادة، في ظل فقدان الجماهير للهدف الحقيقي لتحقيق الذات، وخضوعهم المثير للشفقة لعشوائية البحث عن أهمية الدور والعمل، فالشعور الديني لدى المتطرفين هو نوع من الأيديولوجيا المتمردة الناجمة عن غياب العدالة الاجتماعية، وهذا ما تسبب في خلل البناء النفسي للفرد، وجعله أقرب إلى نمطية السيكولوجية الوثنية، التي يرى صاحبها في هذه الرموز تماثيل وأصناما، تضفي على نفسها طابع القُدسية، بينما يدافع عن مكانتها بما يستطيع، ويتبعها كالأعمى ويؤيد ما تقول دون أن يدرك أو يراجع عقليا أيا مما تمليه تصوراتها اللا إنسانية.
يؤسس فقه الجريمة المستحدث قيم الدين بفكرة العنف ويجعله مطلبا دينيا، وقياس انعكاساته الضارة على المجتمعات بحاجة إلى الكثير من الجهود الفكرية التي ترسم ملامحه وتوضح أبعاده، فالبحث في قضية الإرهاب وكشف الأعماق لخلفيات التطرف الفكري تقتضي تفسيرا للسؤال الدائم عن علاقة الدين بالعنف، وعن النهج الذي ينضوي تحته من كل الأساليب الممكنة في التعبئة، الذي يقود الفرد إلى قتل نفسه والآخرين، الأمر الذي يفسر تكاثر الجماعات الدينية المتشابهة في التكوين وتجانس الهوية، والمختلفة في تنوع اتجاهاتها والمتناقضة في أهدافها السياسية، التي تعمل على تكريس العنف والتطرف الجماعي المشكل لصراع القوة العاكس لأبشع صورة من صور التطاحن السياسي المعاصر، إضافة إلى تدعيم الحرب ضد النزعة الإنسانية بكل ما تحمله من القيم، فيُهمل الإرث التاريخي للإسلام عمدا ويستبدل بالطموح للهدف السياسي وصراع النفوذ.
تقمص المتنطعين لرداء الدين الذي اختطفوا قيمه الروحية، أوقعهم في مأزق حقيقي لا يمكن من خلاله إيجاد التفسير المنطقي لحجم الورطة التي ربطوا فيها بين الدين والعمليات الإرهابية، التي أصبحت تُشكل هاجسا مرعبا اليوم، وإذا وضعنا مقارنة، سنلاحظ أن رأي الجماعات الدينية في الفكر العربي يتمثل في اتجاهات ذات قوة أكثر منها في المجتمعات الغربية؛ لأن رأي الفرد في اتجاه الظاهرة الدينية لا يمثل إلا موقفا شخصيا، وهذا لا يلزمه برابط علاقة مع المؤسسات الدينية، لأنها تراجعت ولم تعد تستطيع فرض هيمنتها على الفكر الاجتماعي، إنما يؤخذ الدين كطبيعة فردية هناك، ونسبة الولاء والانتماء الديني تبنى على الفكر الذاتي وغير الموجه، فالتوجه الفكري لتصحيح النظرة الدينية يتمثل في تحديد الدور لخطاب المتدينين البعيد عن التسامح، وفي مجهودات ومواقف تصل إلى حد التشكيل للنظرة الاجتماعية الحديثة التي ابتدأها فرض القانون الآن، الأمر الذي يمكن من التأثير لإحداث التغيير الفكري لما تشربته الأجيال طيلة هذه العقود الماضية، حتى أصبحت قناعات راسخة في عمق الفكر الديني.