الدور التي تؤديه مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد، لا يقل أهمية وفاعلية عن دور 'نزاهة'، لذلك كان للإرادة السياسية المتبنية لاستراتيجية المكافحة دور في إعطاء وتفعيل الدور التطوعي لمؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد

يقول الخبر إن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قررت إلغاء إحدى فقرات الاستراتيجية، التي تنص على مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة ومكافحة الفساد عن طريق إشراك بعض منسوبي هذه المؤسسات في اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد المقترحة.
وترى نزاهة أنه ليس هناك سبب وجيه لاستمرار النص، بل عدته نصا يثير ويخلق بعض الاستفسارات، ووجود اللجنة الوطنية أو مقترح تأسيسها، هو إجراء ملغى بصدور الأمر الملكي بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
وبالرجوع إلى الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، نجد بالفعل نصا يشير إلى عبارة اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد المقترحة، وذلك في الفقرة 4 من البند ثالثا من الاستراتيجية، والمقصود بهذه اللجنة هو الهيئة الوطنية المشار إليها في البند (رابعا) والذي ينص على إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد.
وبالتالي، إذا كان هناك لبس فإنه يتمثل في مصطلحي اللجنة والهيئة، والاستراتيجية كما أسلفت قصدت باللجنة: الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نزاهة، وعلى هذا الأساس يكون المقصود بمشاركة منسوبي مؤسسات المجتمع المدني في اللجنة الوطنية المقترحة، هو المشاركة في نزاهة.
وإذا كان هناك ثمة تعديل في الاستراتيجية، فإنه من المنطقي أن يكون التعديل في تغيير مسمى اللجنة إلى الهيئة لإزالة اللبس إذا كان موجودا، ولكن الأسئلة المطروحة هنا: هل تم إلغاء الفقرة 4 من البند (ثالثا) برمتها من الاستراتيجية؟ أي تم إلغاء مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد؟ أم أن الإلغاء اقتصر فقط على إلغاء تأسيس مؤسسة أو جمعية تعنى بالنزاهة والشفافية، تعمل جنبا إلى جنب مع نزاهة؟
فإذا كان الإلغاء يشمل جميع مؤسسات المجتمع المدني، فهذا كمن يحكم إغلاق نصف بابه، ويبقي النصف الآخر مفتوحا مشرعا، فإشراك المجتمع على اختلاف مؤسساته يجعل من استراتيجية المكافحة أكثر فاعلية، وتحقق أفضل النتائج.
فـنزاهة توجه جهودها في الأساس إلى مكافحة الفساد في الجهات الحكومية والمؤسسات العامة للدولة، وكذلك الشركات التي تكون مملوكة بالكامل للدولة أو التي تسهم فيها بنسبة معينة، ويبقى المجتمع من شركات ومؤسسات خاصة وأفراد من غير تلك الجهات طلقاء وقد يعيثون في الأرض فسادا، وربما كانوا هم أحد الأسباب الرئيسة في إفساد الموظفين الحكوميين.
هذا بالإضافة إلى أن الانفراد الرسمي بمكافحة الفساد من قبل نزاهة يؤدي إلى إضعاف مصداقية جهود مكافحة الفساد، فكما يقال المشاركة تقتضي الشفافية بينما التفرد غالبا ما يلازمه التعتيم، وربما الانتقائية في القضايا أو الأفراد أو التوقيت، ومشاركة مؤسسات المجتمع المدني تنفي عن نزاهة كل هذه السلبيات.
كما تجدر الإشارة هنا إلى أن نزاهة، قد عقدت ندوة بعنوان دور المؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة ومكافحة الفساد، وذلك بتاريخ 6/2/1435، والتي تتعلق بدور المؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني في تعزيز قيم النزاهة والأمانة وجهود مكافحة الفساد، وهذا يعني أن نزاهة مدركة جيدا لأهمية دور مؤسسات المجتمع المدني في مجال مكافحة الفساد، وبالتالي فإن إلغاء هذه المشاركة من الاستراتيجية يتعارض مع هذا التوجه.
وبناء على ما سبق، فإنه هناك احتمالا ضعيفا نسبيا لإلغاء مشاركة مؤسسات المجتمع المدني من الاستراتيجية، ولكن يبقى احتمالا قائما حتى تتضح صورة وصياغة هذا الإلغاء، بالإضافة إلى توضيح آليات هذه المشاركة.
أما بخصوص السؤال حول اقتصار الإلغاء على تشكيل لجنة أو جمعية تعنى بالنزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، فهذا الإلغاء في الحقيقة لا يوجد ما يبرره، فمؤسسات المجتمع المدني ذات الطابع القانوني والتنظيم الإداري، حيث لها أنظمتها المكتوبة وتراخيصها الرسمية وإداراتها ومرجعياتها، جزء لا يتجزأ من المجتمع المدني ككل.
ومثل هذه المؤسسات تدار في الغالب من نخب ذوي الاختصاص في المجال الذي تعمل فيه، كما أن منهجيتها التطوعية تجعل الناس تنظر إليها نظرة احترام وتقدير، ناهيك عن الانجذاب إليها والتطوع فيها من قبل فئة كبيرة من المجتمع متنوعة الاختصاصات، وبالتالي فإنها في الغالب تكون أكثر معرفة بمواقع حدوث الفساد وأشكاله وآثاره على المجتمع، كما أنها تشترك مع مؤسسات الدولة في إحصاء وتحليل حالات الفساد وتقديم الحلول المناسبة لها.
فالدور التي تؤديه مؤسسات المجتمع المدني على اختلاف أشكالها في مكافحة الفساد، لا يقل أهمية وفاعلية عن دور نزاهة، لذلك كان للإرادة السياسية المتبنية لاستراتيجية المكافحة دور في إعطاء وتفعيل الدور التطوعي لمؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد، وعدم التضييق عليها أو حرمانها من أداء دورها الفاعل في المجتمع.
ولهذا أكدت الاستراتيجية على إشراك بعض منسوبي هذه المؤسسات في اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد المقترحة، وإشراك هذه المؤسسات حسب اختصاصها في دراسة ظاهرة الفساد وإبداء ما لديها من مرئيات ومقترحات تمكن من الحد منه.
بالإضافة إلى حث الهيئات المهنية والأكاديمية كالأطباء والمحامين والمهندسين والمحاسبين على إبداء مرئياتهم حول الأنظمة (الرقابية والمالية والإدارية)، وتقديم مقترحاتهم حيال تطويرها وتحديثها.
وبناء على ما سبق، كان من المفترض من نزاهة أن تفعل هذا الدور لمؤسسات المجتمع المدني، وأن توضح كيفية إشراك منسوبي هذه المؤسسات معها، فهي المقصود باللجنة الوطنية المقترحة، كما أن من أحد أشكال مؤسسات المجتمع المدني مؤسسات لها إطار قانوني وتنظيمي مثل الجمعيات واللجان والمنظمات، فلماذا لا يكون هناك تصاريح وتنظيم لإنشائها على أرض الواقع؟
وأخيرا، فإنه من المهم جدا توضيح التعديل الجديد للاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد فيما يتعلق بدور مؤسسات المجتمع المدني في هذا المجال، فليس من المعقول إلغاء هذا الدور المهم بسبب خطأ مطبعي أو لغوي لاسم اللجنة أو الهيئة!