المضحك أن من ترتدي النقاب وعباءة الكتف يراها رجل الهيئة سافرة ويأمرها بالستر ويراها المتحرر رجعية لأنها تغطي وجهها!


لبيت تخفق الأرواح فيه
أحب إليّ من قصر منيف
وأصوات الرياح بكل فج
أحب إليّ من نقر الدفوف
وخرق من بني عمي نحيف
أحب إلي من علج علوف
فما أبغي سوى وطني بديلا
وما أبهاه من وطن شريف!
المرأة منذ بدء تاريخ تدوين ثقافتنا العربية وهي تمثل أزمة، فيقال إنها وئدت وما سئل عمن وأدها!
أما هي فتجبرها طبيعة الزواج على التنقل، لكن قد لا يطيب لها المقام فتتمنى أن تعود لبيت تخفق الأرواح فيه كما تمنت ميسون في الأبيات السابقة، التي نقلتها جاريتها لمعاوية الخليفة زوجها فطلقها، وذلك لأنها وصفته بعلوف أي كثير الأكل، وكانت حاملا بابنه يزيد!
والبدوية كان يناط بها مهمة إكرام الضيف وما زالت متفردة لليوم فهي وحدها تقود سيارتها في الصحراء ولا أحد يستنكر أو يناصحها أو يحبسها، بل قد تحمل السلاح دفاعا عن نفسها!
وقبل قرنين قال أحد أقارب امرأة بدوية معروفة بالكرم وتغير حالها بالزواج بعد أن كانت راعية بيتا شعبيا هو:
يا الله ياللي حط لهويدية بيت
إنك ترد هويدية في بهمها
ويقال إنه حسدها فتمنى أن تعود لرعي الغنم، أو لأنها لم تقدم له من الضيافة ما يظن نفسه أهلا له!
في زمننا أصبحت الكلمة التي تقابل الأمير في حكاية السندريلا هي كلمة عمرها لا يصل للخمسين عاما والكلمة الساحرة هي: مُدرِّسة!
فالمدرسة كائن أسطوري يمشي على الأرض يحلم بها الأعزب والمطلق والمتزوج شابا أو هرما، أو حتى لو كان قد رد لأرذل العمر؛ فهي ملكة أحلامه التي ستحوله لأمير أو ملك بوسائل متعددة؛ يعرفها المطلع على حكايات النساء في الواتس وغيره مع أزواجهن وتنافسهن في إهداء السيارات والأموال والمساهمة والتضامن في بناء البيوت للرجال..
لكن مهلا أليست هذه المخلوقة الخارقة هي الفتاة التي اعترض الكهل والعجوز على تعليمها؟!
فكيف أصبحت حلمه؟!
العارفون يدركون أن الحرب عليها قامت ثم تطورت وانحرفت لاحقا لحرب أشد على التخصص في غير التعليم، فالطبيبة مرفوضة وكذلك الممرضة، وأذكر أنني أجريت تحقيقا لصحيفة رسالة الجامعة مع طالبات قسم التمريض في جامعة الملك سعود قبل قرابة ربع قرن، وكانتا طالبتين فقط هما كل طالبات القسم، وعزوف الطالبات عن القسم نتيجة للهجوم والاحتقار الذي تتعرض له من تفكر أن تعمل ممرضة، وقد اختلف الوضع اليوم لكن ما زالت مهنة التمريض بأيد غير عربية وغير مسلمة نتيجة لحربنا على الممرضات!
والطبيبات لسن أحسن حالا والعجز في تخصصهن، والفائض في تخصصات التعليم المختلفة والمختطفة كارثة تستصرخ العقلاء وتجعل المرأة مؤهلة بجدارة للبقاء في المنزل فقط!
دعت سيدة مسنة لفتاة أن يرزقها الله الزوج الصالح فاعترضت عليها الفتاة طالبة أن تدعو لها بالعمل معلمة لأن هذا السبيل الوحيد للزواج، استغربت السيدة المسنة وغيرت الدعوة وفعلا حدث ما توقعت الفتاة فصدر تعيينها وجاء الخاطب مستعجلا!
المرأة في مواقع أخرى بقيت بعيدة عن الصراع فهي موظفة في القطاعات الحكومية الأمنية مثلا لا تثير جدالا لأن الوظيفة غير معروفة فلا تثير الشك والريبة!
همشت المرأة كثيرا ولم يبق لها إلا أن تصنع حلا السيل أو حلا القبور أو تلاحق خلطة أم عبدالعزيز لتفتيح البشرة، وقد تستقبل في منزلها تاجرات البوتكس اللواتي يحقن السموم في جسدها دون أدنى وعي بخطورة عملهن غير الصحي!
المرأة الواعية أسوأ النساء حالا فهي لم تستطع التصالح مع السائد وترضى وترضخ وتمارس الخداع والنفاق وتنجرف مع التيار الذي أمسك العصا من المنتصف وسدد وقارب على حد فهمه، ولم تمكن أو تتمكن كما تريد لها سياسة الدولة، فقد حورب وجود النساء في بعض الأجهزة كما حوربت رياضتهن وقبلها وجودهن في المدارس!
ومن وظائف النساء بقيت الكاتبة والصحفية وأستاذة الجامعة في مأمن ما لم تحدث نفسها بغزو الشارع في سيارة قائدة لا مقودة أو حتى تكتب مطالبة بالقيادة في مقال!
ليس كل ما يعلم يقال ولو قيل لما صدق، فالشاعر الذي قال في برنامج شعري للجنة التحكيم: امرأة أكرمكم الله، وطرد بعدها ليس بدعا في الخلق فهناك من يحتقر المرأة ولو لم يقل أكرمكم الله، وينسى أن النساء شقائق الرجال!
أذكر أن أستاذنا الدكتور حسن ظاظا -رحمه الله- وكان أستاذا للغة العبرية يقول إن التوراة كان لها لغة اكتفى اليهود بتعليمها للرجال دون النساء ومرّ الزمان ونسيت لغة التوراة لأن الأبناء تكلموا لغة أمهاتهم فقط فضيعوا دينهم!
الغريب أن المرأة في مجتمعنا التي تلتزم بالحجاب تتعرض لأفانين من التحكم فهي مجبرة على وضع العباءة على الرأس وحرم عليها غيرها؛ بل المضحك أن من ترتدي النقاب وعباءة الكتف يراها رجل الهيئة سافرة ويأمرها بالستر ويراها المتحرر رجعية لأنها تغطي وجهها!
هذا التناقض في المحافل الثقافية يبلغ أشده؛ فتعتلي الشقراء المنبر أو تقف أمام جناح دولتها بكل كرامة أو تجلس بشعرها الأشقر المنسدل في قاعات الرجال، وتنفى المنقبة في قاعات الدائرة التلفزيونية حتى أن إحداهن قالت: ليتني مع الخيل شقراء!