اختيارنا الدائم للسيئ كي يكون مديراً أو مسؤولاً؛ يعود لأن معظم أفراد الوطن العربي يعانون من عقدة الاضطهاد، حيث تربوا على التسلط والقهر والضغط النفسي، ولديهم استعداد فطري لتقبل الإهانات بكل رحابة صدر

لماذا يعتقد البعض أن الكراهية أمر لا يليق بالنفس البشرية؟ في الحقيقة الكراهية هي جزء طبيعي من مشاعرنا، وحينما نعلن أننا لا نحمل أي مشاعر مُحبة على سبيل المثال، لأي مدير يمكن أن يتولى رئاستنا في العمل، فأظن أن الأمر لا بد أن يكون طبيعياً، المثالية لا مكان لها في العالم الكوني. أن تكره، أن تحب، يعني ذلك أنك تستخدم طاقة مشاعرك، ولا يمكن أن تكون جميع طاقاتك موجهة للخير فقط، وإلا لأصبحت حياتنا أقرب شبهاً لقصص وحكايات الأطفال ما قبل النوم، تلك التي ينتصر فيها الخير دوماً في نهاية المطاف، ويذهب الشرير القبيح إلى الجحيم. لكن مديرونا الشريرون لا يذهبون إلى الجحيم أبداً، إنهم ينتقلون من فردوس إلى آخر، ويتولون أفضل وأرقى المناصب الإدارية، كما أنهم ينتقلون بسرعة الصاروخ من نجاح إلى آخر، وذلك ليس بسبب مهاراتهم الإدارية لا سمح الله، ولكن للأسف لأن الإدارة العربية المغلقة بـالضبة والمفتاح منذ عهد حمورابي؛ تعتقد بأن قسوة وحزم المدير حتى لو كانا في غير محلهما هما سمتان من سمات الإداري الناجح، طبعاً هذا في قاموسها الحمورابي، وهو بالتأكيد تصور خاطئ للغاية، ولا يمت لفاعلية العمل الإداري والمهني بأي صلة، وعموماً هذا التطور والنجاح للإداري وحش الشاشة، يسبب إحباطاً لدى الموظفين الذين كثيراً ما عانوا من سوء إدارته وتسلطه وتحكمه وتجبره.
واختيارنا الدائم للسيئ كي يكون مديراً أو مسؤولاً، يعود لأن معظم أفراد الوطن العربي يعانون من عقدة الاضطهاد، حيث تربوا على التسلط والقهر والضغط النفسي، ولديهم استعداد فطري لتقبل الإهانات بكل رحابة صدر، والمجتمع لا يزال حتى الآن يواصل تغذية كل جيل جديد بهذه السمات، وهو يظن كما قلت سابقاً، بأن أي مسؤول غير محبوب من قبل موظفيه هو أكثر الجميع جدارة بالحصول على أفضل المناصب، حتى إن بعض المسؤولين يبحث عن أكثر الموظفين كراهية من قبل زملائه، ليصبح هو الأقرب لأي منصب جديد ذي مسؤوليات ضخمة ومهمة في المؤسسة، فالإدارة العليا لأي مؤسسة أو شركة تعتقد أن الطيبين لا مجال لهم في الحصول على أي منصب إداري أو حتى مسؤولية قسم صغير، فمن وجهة نظرهم أن على المدير أو الرئيس أن يتصف بصفات أقرب لمواصفات هولاكو أو يوسف الحجاج، حيث القوة المفرطة والصرامة التي لا تعرف حدوداً، والقسوة دون رحمة، وهي وجهة نظر بليدة وغبية جداً، فهم بذلك يعتقدون أن الموظفين لا يمكن لهم العمل، إلا حينما يكون فوق رأسهم رئيس يملك سوطاً لجلد موظفيه دون رحمة، في حين أن الشركات الكبرى العالمية لديها مقاييس مختلفة جداً، لتأهيل الموظف ليصبح رئيساً أو مديراً عن مقاييسنا نحن العرب، ورجاءً لا يقول لي أحد إن هذه شركة عالمية، وما عندنا من شركات هي أقرب لأن تكون بقالة أو سوبر ماركت، ولا ترتقي لمستوى الشركات العالمية، لكن علينا أن ندرك تماماً أن النجاح لا يعرف شركة كبيرة أو مؤسسة صغيرة، يعرف فقط أن هناك عقلية جديرة بالاحترام، وإدارة تتفهم جيداً احتياجات موظفيها، وتسعى لنجاحهم وتغذية طموحاتهم.
وتجد الآن من الطبيعي حينما يتولى أحدهم منصباً جديداً، أن يقول لك أعرف أنني لن أكون مديراً محبوباً، ويظل يعاني من هذه العقدة طوال فترة إدارته، حتى إنه يتعامل مع موظفيه على اعتبار أنه شخص مكروه، وأن لا أحد يحمل له مشاعر طيبة، ويبدأ في لعب دور رئيس، وذلك عبر تحويل حياة موظفيه إلى جحيم يومي، ومن واقع تجربة شخصية، سبق لي أن ألتقيت بعدد كبير من الموظفين، كانت أسباب إصابتهم بأمراض مبكرة كجلطة في المخ والقلب، نتيجة تعرضهم إلى القهر والإهانات النفسية من قبل رؤسائهم أو حصولهم على تقييم غير مرض، وربما يكون الحق مع المدير في تقييمه لموظفيه، لكننا في مجتماعاتنا العربية، لا أحد يفهم ماذا يعني أن تكون مسؤولاً أو مديراً ناضجاً نفسياً وفكرياً، وأن تكون استحقاقاتك لنفسك في مستوى عال، أهمها عدم حملك الغضب المرضي من أنك مثلاً لم تصل إلى منصبك إلا بطلعة الروح، لذا يتوجب عليك أن تطلع روح موظفيك، لأنك مررت بذات الأسى، فليس مطلوباً من الموظفين أن يتحملوا أمراض مديري أقسامهم، وليس مطلوباً منهم أن يتحملوا الكبت والقهر الذي عاشه مديرهم حتى استطاع أن يصل إلى منصبه الحالي، كما أنه ليس مطلوباً من المدير أن يسعى إلى إرضاء موظفيه فقط ليحصل على محبتهم، ولكن على أي مسؤول أن يعي جيداً قدراته النفسية والفكرية، وأن يعمل على تطوير مهاراته، وكيفية التعامل مع الموظفين، أما زمن الشخط والنطر والتحرش النفسي فقط لمجرد قهرهم، فهذا الزمن يفترض أن يكون قد ولى.
وأنا أقترح بما أن المدير يقوم على تقييم موظفي إدارته، أن على الموظفين أيضاً أن يقيموا رؤساءهم في العمل، فمن قال إن المديرين والرؤساء جميعهم يستحقون ما وصلوا إليه؟